حرب بوش الأمنية على كيري

TT

هل من علاقة بين نتائج استطلاعات الرأي العام الاميركي التي اشارت الى تقدم المرشح الديمقراطي جون كيري على الرئيس جورج بوش المرشح الجمهوري، وبين الضجة والاجراءات الامنية التي اتخذت في واشنطن ونيويورك، منذ ظهر الاحد الماضي؟

من قرأ مذكرات الرئيس السابق بيل كلينتون «حياتي» يدرك ان اليمين الاميركي لا يتردد في فعل «كل شيء» لتدمير من يقف في وجهه وخصوصا من الديمقراطيين، فكيف اذا كان الامر يتعلق بالوصول الى البيت الابيض! وكان لوحظ ان ادارة الرئيس بوش انتظرت انتهاء انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي لتكشف ان العجز في الميزانية الاميركية بلغ 475 مليار دولار ـ وكل عجز يتجاوز 400 مليار دولار سيئ جدا اقتصاديا وينعكس سلبا على الرئيس بوش ـ وذلك كي لا يستغله الخطباء الديمقراطيون ضد المرشح الجمهوري، ثم ما ان اشارت الاستفتاءات الى تزايد ثقة الناخبين الاميركيين بالمرشح الديمقراطي حتى اطل توم ريدج المسؤول عن الامن الداخلي الاميركي وسرد سلسلة من المعالم الاقتصادية الاميركية التي يستهدفها تنظيم القاعدة.

لا احد يمكنه الاستخفاف بالامن في ظل الارهاب الذي يعيشه العالم، لا سيما ان هوس الرئيس بوش بالعراق وصدام حسين ابعد التركيز كثيرا عن الحرب على الارهاب.

في السادس والعشرين من شهر ايار (مايو) الماضي قال وزير العدل الاميركي جون اشكروفت في مؤتمر صحافي عقده في واشنطن: ان معلومات امنية من عدة مصادر اكدت ان القاعدة تخطط لضرب الولايات المتحدة في الاشهر المقبلة (....) وبعد الهجوم على قطارات مدريد في 11 آذار (مارس) اعلن الناطق باسم القاعدة ان تسعين في المائة من ترتيبات الهجمات على الولايات المتحدة صارت جاهزة. وبعدها اشارت بيانات جهاز الـ «اف.. بي آي» الى ان خطط القاعدة تستهدف قمة الدول الصناعية الثماني (عقدت في سي ايلاند في جورجيا ـ اميركا) ومؤتمري الحزبين الديمقراطي (انتهى الاسبوع الماضي) والجمهوري سيعقد مع نهاية هذا الشهر في نيويورك.

ورأى جهاز الـ «اف. بي. آي» ان وجه القاعدة «ربما بدأ يتغير وانها قد تحاول ارسال متطرفين من الشرق الاوسط الى اميركا كما فعلت قبل هجمات 11 سبتمبر».

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده اشكروفت كان حاضرا مدير الـ «اف. بي. آي» روبرت مولر، حيث تم توزيع صور لسبعة اشخاص على علاقة بالقاعدة، من بينهم احمد خلفان غيلاني الذي اعتقلته القوات الباكستانية في غوجرات اقليم البنجاب مع زوجته الاوزبكية في 26 من الشهر الماضي. وقال وزير الداخلية الباكستاني فيصل صالح حياة انه سيتم تسليم الغيلاني الى جهاز الـ «اف. بي. آي» بعد ان تنهي السلطات الباكستانية التحقيق معه.

لكن، لم يكن اعتقال الغيلاني وما اكتشف في حوزته من اسلحة رشاشة ومواد كيماوية وعملات بالدولار واليورو واجهزة كومبيوتر هو ما اثار هذه المخاوف الامنية في الولايات المتحدة، بل ان كل هذه المعلومات كانت اكتشفت بعد اعتقال الباكستاني محمد نعيم نور خان في 13 تموز (يوليو) اي قبل حوالي اسبوعين من اعتقال الغيلاني اثر تبادل لاطلاق الرصاص استمر 14 ساعة في حي اسلامنغار في غوجرات ونور خان خبير في الكومبيوتر والاتصالات، لكن المخاوف على المؤسسات المالية الاميركية اعلنت بعد انتهاء مؤتمر الحزب الديمقراطي وارتفاع شعبية كيري.

اغلب الاحتمالات يشير الى انه في الاسابيع التي تسبق الانتخابات الرئاسية الاميركية التي ستجرى في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، فان القاعدة وتنظيمات ارهابية اخرى تنوي تصعيد العمليات الارهابية ضد الولايات المتحدة او مصالحها او ضد الدول التي تعتبر موالية لها. ومن المؤكد ان الحرب ضد الارهاب ستكون قضية اساسية في الحملة الانتخابية وسيحاول الرئيس بوش طرح نفسه كزعيم يستطيع أن ينتصر على القاعدة، ولا بد ان يحاول الارهابيون افشاله.

لكن قدرة القاعدة على تكرار عملية ارهابية بحجم عمليات 11 سبتمبر داخل الولايات المتحدة محدودة نظرا للاجراءات الامنية المشددة المتخذة هناك، من هنا لا بد للقاعدة من مضاعفة محاولاتها لتصعيد عملياتها الارهابية في دول اخرى مثل اوزبكستان او افغانستان او باكستان او السعودية او العراق، وقد لا تنجو دول غربية حليفة لاميركا من مواجهة اخطار الارهاب مثل ايطاليا وبريطانيا وايضا استراليا وربما تسيل دماء كثيرة قبل الوصول الى اجراء الانتخابات الرئاسية، ولهذا فان اعلان الرئيس الاميركي انه قرر تنفيذ بعض ما اقترحه تقرير اللجنة الوطنية الاميركية للتحقيق في اعتداءات 11 سبتمبر، يأتي ضمن خانة الحملة الانتخابية ومحاولة خطف الاضواء من المرشح الديمقراطي كيري، لان الاصلاحات الجذرية في الاجهزة الامنية لا بد ان تنتظر مجيء الادارة المقبلة.

من ناحية ثانية برزت باكستان الى جانب كل هذه القلاقل الامنية في الولايات المتحدة، ولوحظ ان اسلام اباد اعلنت مساء الاثنين انها لن ترسل قوات الى العراق. ولا بد ان اعتقال الغيلاني سبب ازمة لباكستان، فهي تتعرض لضغوط لتسليمه لجهاز الـ «اف. بي. آي» الذي يريد التحقيق معه حول مكان وجود اسامة بن لادن، لكن عندما تسلمه باكستان، اذا فعلت، فانها ستنسف الضمانات التي اعطاها سابقا الرئيس برويز مشرف الى زعماء القبائل في جنوب وزيرستان بانه لن يسلم الى واشنطن ايا من المقاتلين الاوزبك او الشيشان او العرب الناشطين في جنوب وزيرستان، اذا ما استسلموا لحكومة اسلام اباد، ولانه يمكن لمشرف القول ان الغيلاني لم يستسلم، بل اعتقل بعد معركة بالرصاص، فان محاولة اغتيال شوكت عزيز وزير المالية المرشح لرئاسة الحكومة، بعد خمسة ايام من اعتقال الغيلاني، قد تكون تحذيرا لاسلام اباد بعدم تسليم الاخير الى السلطات الاميركية، وايضا لعدم ارسال قوات الى العراق.

وكان مواطنان باكستانيان خطفا وقتلا في العراق على يد جماعة تطلق على نفسها اسم «الجيش الاسلامي». وقيل انهما قتلا بعدما اكتشف الخاطفون بحوزتهما صورة التقطت لهما مع ضابط اميركي يضع يديه حول كتفي كل منهما.

اما الباكستاني الثالث الذي اطلق سراحه فقد ابلغ المحققين في روالبندي انه كمسلم وباكستاني عومل بشكل جيد وان السبب الوحيد لاطلاق سراحه كان لنقل رسالة الى ادارة مشرف بانها اذا ارسلت قوات الى العراق فان المصالح الباكستانية في كل العالم ستتعرض للضرب. كما ان البعثات الديبلوماسية الباكستانية في عدد من الدول الخليجية ترسل باستمرار التقارير التي تحذر من الاوضاع الامنية في كل دولة تريدها الولايات المتحدة على خط الدفاع الاول في الحرب ضد الارهاب، وان هذا يسري على باكستان.

لذلك هناك احتمال بان حملة القاعدة والمنظمات الحليفة لها على الرئيس الاميركي جورج بوش، قد لا تنجح في شن عمليات ضد الولايات المتحدة، انما ضد نظام حليف لها وبالذات النظام الباكستاني، فيكثر الحديث عن الخلايا النائمة. وتجدر الاشارة الى ان السلطات الباكستانية لم تعتقل احدا من كبار نشطاء القاعدة في منطقة القبائل على الحدود مع افغانستان، ويقال ان بن لادن اختبأ حتى آب (اغسطس) 2002 في بينوري في كراتشي، وليس معروفا اين يقيم الآن، اذا كان لا يزال حيا، ولن تكون مفاجأة اذا كان يعيش في احدى المدن الباكتسانية البعيدة عن الحدود مع افغانستان. وكان تقرير اللجنة الوطنية الاميركية في سرده بعض تفاصيل التحقيقات مع خالد الشيخ محمد وابو زبيدة وآخرين، اشار الى ان نشطاء القاعدة تحركوا قبل عمليات 11 سبتمبر في كراتشي وكويتا واسلام اباد، وهذا ما يؤكد عليه اعتقال الغيلاني في البنجاب!

ان تحريك الخلايا النائمة في باكستان وليس في الولايات المتحدة هو الذي يمكن ان يغير مجرى الانتخابات الرئاسية الاميركية وعندها يمكن للقاعدة ان تضرب عصفورين بحجر واحد.