دارفور: تكرار لماسأة العراق

TT

انحياز العقل العربي الى جانب أبناء جلدته، مخطئين كانوا أم مصيبين، هو عمل كثيرا ما يدفعون ثمنه غير نادمين.. فعلوا ذلك مع العراقيين، وتخلوا عنهم يوم الكريهة عملا بقول الشاعر «يوم الكريهة كانوا من أعاديه»...

اليوم يدافع بعضهم عما يحدث لأبناء السودان في دارفور، على أيدي العصابات التي دربتها وسلحتها ومولتها وشجعتها عناصر متعصبة في الحكومة السودانية.. ولم يكن ذلك عملا مفاجئا بل بدأته حكومة الصادق المهدي، التي حملت الاسلام راية لحكمها وعدالتها، التي احتكرتها لنفسها وأنصارها... حكومة «الانقاذ» تعاملت باستخفاف مع المجازر التي تعرض لها أبناء دارفور على أيدي العصابات المسلحة، تحت سمع وبصر من قفزوا على ظهر المدرعات الى عصب السلطة، وأمعنوا غلوا وتطرفا في أطرافها.

أعجب ممن يطلبون منح الحكومة السودانية الفرصة للقيام بواجبها الأخلاقي تجاه مواطنيها، وكأنهم بذلك، يمكنون العصابات المسلحة من استغلال المهلة الممنوحة لإنهاء مهمتها في «التخلص» من جماعات مستضعفة من أبناء الشعب السوداني الرقيق بطبعه، والذي فرضت عليه الأيام أن يصبح فظا غليظ القلب.

الجامعة العربية لم نسمع منها كلمة واحدة تشير الى اهتمامها، أو علمها بما يحدث، لذلك النفر من أبناء السودان على أيدي مليشيات لم ترع حرمة.. لماذا؟

هل تذكرون متى تحركت الجامعة العربية في الشأن العراقي؟.. طبعا، لم تفعل عندما قتل صدام أبناء الجنوب بالغازات... ولم تفعل عندما دفن الأطفال والنساء والرجال أحياء في الجنوب... لكنها تحركت عندما استدعى الأمر زيارة الى أوربا والولايات المتحدة لنقل وجهة النظر العربية المخجلة الى المسؤولين في تلك الأصقاع!

الآن، لا تتوقعوا من الجامعة العربية والقائمين على أمرها أن يفعلوا ذلك. ولا تنتظروا من الحكام دعوة حكومة «الانقاذ» الى تحمل مسؤوليتها ومعاقبة القتلة.. ذلك في التقاليد العربية شأن داخلي، كما كان الحال مع «المهيب» صدام... ولكن انتظروا الصراخ والبكاء والعويل عندما تتقدم الصفوف دول تحترم مواطنيها، وتندفع قواتها الى منح من تبقى في دارفور فرصة للحياة سلبها منهم حكامهم. عندها قد نسمع الأمين العام، وغيره ينشدون التضامن العربي، ويبحثون عن اللبن المسكوب والحلم المفقود..

* دبلوماسي عربي