الداء في الدواء

TT

لا ادري كم من الناس يقرأون النشرة المربوطة بالدواء داخل العلبة. على من يستعمل الدواء ان يتذكر انها مكتوبة ومطبوعة وموضوعة في العلبة لا لحمايته عند استعمال الدواء وانما لحماية الشركة والصيدلية البائعة بعد استعماله.

ففي هذه الايام ابتليت الشركات الصيدلانية والمستشفيات والمؤسسات الطبية في الغرب بدعاوى التعويضات عما قد يحصل للمريض من نتائج سلبية. تصل بعض هذه التعويضات الى ملايين اليوروات، كما حصل للشركة الالمانية، التي انتجت دواء الثلومايد. بالطبع تتخلص الشركة من المسؤولية اذا حذرت المريض من الخطر المحتمل.

انا شخصيا قلما اقرأ هذه النشرات، بل واصبحت احرص على عدم قراءتها. فلي فيها تجربة سيئة سببتها لي زوجتي التي كانت تعمل مأمورة مكتبة لمؤسسة الصناعات الصيدلانية البريطانية. جاءتني يوما بتقرير عن اكتشاف حقنة (ابرة) واحدة في الذراع تنجي الانسان من حساسية الصيف، التي اعاني منها. الصيف يحرك الآخرين للثورة والانقلاب وتسلم الحكم، لكنه عندي يحركني للعطاس والسعال. اشتريت الحقنة ورتبت الموعد لضربها. واذا بأم نائل تأتي مسرعة من مكتبها بتقرير آخر يتحدث عن النتائج المحتملة وتشمل تعطل الكبد والتهاب الكليتين وتقرح المعدة، وكل ذلك بالاضافة الى الصداع والاسهال وضيق النفس وتورم اليد. بالطبع رميت بالحقنة في القمامة، لكن بقيت اعاني من الحساسية طيلة حياتي.

أهذا احسن ام اسلوب ملا جواد عندما يعطيك حقنة من بذر الكرفس ويقول لك اغلها واشرب ماءها والشفاء من الله.

من حينها حرصت على عدم قراءة نشرات الادوية. الطبيب يصفها وهو اعرف بها فلماذا اوجع رأسي. وتراها دائما تبدأ بسيرة الدواء وتاريخه وهذا امر لا يعنيني، ثم ينتقل الى الثناء على الدواء ومدحه، وهذا شيء يذكرني بالشعراء المداحين العرب ويثير قرفي. بعد ذلك تأتي طريقة الاستعمال، وهو شيء يشرحه لي الصيدلي. وتسير في القراءة فتلاحظ انها اخذت تتلبد بالغيوم السوداء وتختفي كل تلك الانوار البراقة.

تنتقل النشرة للاعراض الجانبية. قد تشعر بوجع رأس، مغص معدة، شعور بالقرف. تقول معلهش. هذه اشياء نحن معتادون عليها لكن الكلام يزداد ارهابا، تأتي التحذيرات من نتائج محتملة. تورم الطحال، تشمع الكبد، تعطل الكلية، شيء من الدم مع البول، تقول يا ساتر، ثم تواجهك النصيحة فجأة. استشر الطبيب حالا او اطلب سيارة اسعاف.

مررت بمثل ذلك فلم اتناول الدواء واخذته للدكتور ليقرأ النشرة. ضحك في وجهي. وقال لو انك تقرأ كل ما كتب عن الاسبرين لما اخذت حبة اسبرين في حياتك بعد ذلك. هذه كلها احتياطات لمنعك من مقاضاة المنتج اذا حصل لك شيء.

وما اريته لطبيبي لا يعتبر شيئا بالنسبة لما رواه البروفيسور جون بينتر، اذ كتب يقول انه اشترى دواء وقرأ النشرة المرفقة به. ووجد عليها تحذيرا يشير الى الاعراض الجانبية التي قد تحصل لمستعمل الدواء. وكان منها، الاغماء، السكتة القلبية، الموت، وكلها اعراض جانبية! لم يذكر الاستاذ الفاضل، ما اذا كان قد استعمل الدواء وحصل له موت كعرض جانبي.

يا سيدي، انس المرض وخلي بالك على الاعراض الجانبية.