رعايا أم «ولايا» ..؟

TT

أكثر من نصف قرن على كتاب خالد محمد خالد «مواطنون لا رعايا» وما زلنا لا نعرف هل نحن مواطنون أم رعايا ؟ أم يا حسرة القلب ـ ومهما كان جنسنا ـ مجموعة «ولايا» يتحكمون في مصائرنا وأقدارنا يقررون كل شيء نيابة عنا.

أن أصحاب الحديث الذي لا ينقطع عن المجتمع المدني العربي لم ينتبهوا بعد الى ان مفهوم المواطنة في العالم العربي كالغول والعنقاء والخل الوفي غير موجود الا في المخيلات والكتب، أما على أرض الواقع الذي سموه واقعا لأن كل شيء فيه «واقع» فلا يوجد مواطن ولا توجد مواطنة وهناك أكثر من سبب لذلك شرح المفكرون بعضها واهملوا أغلبيتها فمعظم المسكوت عن تفسيره يقع في منطقة الخطر.

ياسين الحافظ في كتابه الهام «الهزيمة والآيديولوجيا المهزومة» لاحظ ان السياسة في المدينة العربية الاسلامية كانت تاريخيا ممنوعة والتعددية مدانة والانفصال بين السلطة والشعب قائم لأن النظام الشرقي لم يمارس السياسة بالاسلوب الأغريقي، بمعنى انها حقوق وواجبات ملقاة على عاتق انسان حر مسؤل يدرك أهمية الانتماء الى جماعة بشرية منظمة.

ومن الصحيح الى حد ما أن يقال ان الاعتراف بالفرد ككيان مستقل لم يكن موجودا في الدولة العربية الحديثة ولا في دولة المدينة الاسلامية في العصر الوسيط فالفرد في الحالتين رقم في كيان أكبرقد يكون قبيلة او طبقة او مهنة أو حي أو قرية، وفي هذه الاحوال كلها لا يتم التعامل مع ارادته ورغباته بشكل مستقل فشيخ القبيلة او رئيس الحي او كبير رجال الحرفة يقررون نيابة عنه ويتحدثون باسمه دون تفويض حقيقي.

ان النقلة من مفهوم الرعية الى مفهوم المواطنة لم تتم بعد في المجتمع العربي وبالتالي فإن اي حديث عن مجتمع مدني ما هو الا اضغاث أحلام في ثلاثة أرباع العالم العربي لأن ذلك المجتمع لا يظهر الا مع الدولة العصرية وأغلبية دولنا ما زالت صياغات قرون وسطى، لا سياسة فيها لا بالاسلوب الاغريقي ولا بالاسلوب الروماني، ولا حتى بأسلوب جمهوريات الموز التي نجحت الى حد ما في تقييد السلطة في بعض دولها بينما لا تزال السلطة في بلادنا مطلقة.

ولا شك ان مفهوم المواطنة يبدأ بالتشكل ثم الترسخ مع كل خطوة نحو تقييد السلطة وتحكيم القانون الذي يسري ويطبق على الجميع وأولهم أصحاب الثروة والنفوذ، وليس على المساكين وحدهم فنقطة الانطلاق نحو دولة المواطنة في الغرب بدأت بتقييد السلطة المطلقة والرائد في هذا المجال المفكر والفيلسوف البريطاني جون لوك صاحب رسالة «التسامح والجتمع المتمدن» التي صارت علامة لمجتمع المواطنة الحديث لأنها رفضت جميع طروحات الفكر السياسي السابق لها، الذي كان يدافع عن سلطات غير مقيدة وغير خاضعة لرقابة الشعب.

هل يوجد هذا الشكل المقيد من السلطات عندنا في العالم العربي..؟

أشك وأشك وأشك ومن هذا الشك يبدأ التغيير، فدعاة المجتمع المدني مطالبون قبل التنظير الطوباوي الذي يتقنه كل رواد المقاهي بالعمل الميداني لخلق مؤسسات ذلك المجتمع ولترسيخ مفهوم المواطنة الذي يختلف جذريا عن مفهوم الرعية ففي دولة المواطنة الدولة وسيط يرعى مصالح الجميع ويصون أمنهم وليست بعبعا يخيفهم ويهينهم ويقيد حرياتهم الاساسية وحقوقهم. لقد صرنا رعايا و«ولايا» لأن من سبقنا من الأجيال لم يتمكن من تفكيك السلطة المطلقة، ولن ننال شرف المواطنة الا اذا نجحنا في اقامة دولة القانون التي تخضع جميع مؤسساتها وكافة مسؤوليها للرقابة والمحاسبة.