مستقبل الإسلام في الغرب.. جيفري لانج نموذجا

TT

حين يصبح الدين علماً فلن يتقاتل الناس حوله، وسوف يستخدم مثل حبوب الأسبرين والمضادات الحيوية، وتعقيم (باستور) لا يختلف عليه الأطباء اليوم، وكذلك الأمر في الدين فلن يتحول إلى بؤرة طائفية من الكراهية. بل روح من عنده وشفاء لما في الصدور.

في لبنان ذبح الناس بعضهم بعضا من كل الشيع والطوائف والملل والنحل، ولكن علاج المصابين الجراحي كان واحداً. والتخدير الذي كان يطبق لإصلاح جرح أو كسر لم يكن بوذيا أو مسيحيا، بل علما موجودا في كل المستشفيات اليهودية والإسلامية.

وقصة إسلام أستاذ الرياضيات الأمريكي (جيفري لانج) ملحمة في الانتقال من ظلمات الإلحاد إلى نور الإيمان. وعندما يسلم من يسلم في الغرب، فهو لا يكرر نسختنا بل يخرج بنسخة مختلفة، وهذا هو السر في زحف الإسلام في العالم، واعتباره أقوى دين ديناميكية في كسب الأتباع كما كتبت مجلة در شبيجل الألمانية في عدد لها عن النبي محمد (ص) .وفي أمريكا لوحدها يكسب الإسلام سنويا أكثر من 22 ألف معتنق جديد حسب رواية قناة الديسكفري.

وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم؟

مع هذا فإن (بوابة) دخول جيفري لانج إلى الإسلام لم تكن (علمية) تماماً كما يرويها، وهو الأستاذ في (الرياضيات)، علم الوثاقة واليقين، كما سماها الفيلسوف (ديكارت)، ولكنها تروي عن زحف الإسلام العارم في العالم بدون أن تكون له قوة سياسية تدعمه بل ينتشر بقوة الاندفاع الذاتي.

وعندما يصبح إيمان جيفري لانج وسواه من (بوابة العلم)، فلن يتقاتل الناس حول الدين، لأنه سيكون علماً مثل معادلات الرياضيات، كما وصف ذلك (أبو حامد الغزالي) في كتابه (المنقذ من الضلال) في بحثه عن نبع اليقين، أن يحصل عنده من العلم، ما لو قلبوا له الحجر ذهبا والعصا ثعبانا، في أن يزلزلوا قناعته ان الثلاثة أكبر من العشرة، لم يحصل، وإنما يتعجب من كيفية قدرتهم على فعل ذلك؟ «وأما الشك فيما علمت فلا». وهو أمر يجب توسيعه بمزيد من الأمثلة.

وحتى يخرج فينا (إنسانيون) من نوعية توماس مور وإيراسموس، فسوف ينحر المسلمون والمسيحيون أنفسهم في نيجيريا وإندونيسيا، وسوف يفجر الطالبان تمثال بوذا بالقنابل تقربا إلى الله. وسوف ينحر الإرهابيون في بعض العواصم العربية الأمريكي المسيحي (العلج) من الوريد إلى الوريد مع التهليل والتكبير والتصوير؟ وسوف تفجر كنائس في العراق كما حدث في مطلع هذا الشهر.

ويروي جيفري لانج في كتابه (الصراع من أجل الإيمان) تجربته المثيرة. وهي جديرة بسردها على الناس لأخذ فكرة عن انتشار الإسلام في الغرب وكيف يحصل؟

نشأ الرجل في عائلة مسيحية وعندما كان أستاذ الدين يحاول البرهنة على وجود الله بالرياضيات، انبرى له جيفري لانج الذي كان طالب (ثانوي) يجادله في الأدلة. تضايق منه الأستاذ وطرده من حلقة الدرس مع الإنذار.

رجع الشاب إلى بيته وعندما سمع والداه القصة صعقا، وقالا لقد ألحدت يا بني. يقول لانج، إنه في الواقع فقد الايمان بالمسيحية الغربية، وهو ما يذكر بنيتشه، الفيلسوف الألماني.

وبقي لانج على هذه الحالة من الإلحاد عشر سنين يبحث.

وفي لحظة وميض جاءت المفاجأة من القرآن عن طريق هدية من عائلة سعودية. ويصف لانج القرآن «شعرت أنني أمام أستاذ علم نفس يسلط الأشعة على كل مشاعري المخبأة. كنت أحاول مناقشة بعض المشاكل فأجده أمامي بالمرصاد، يغوص في أعماقي فيجعلني عارياً أمام الحقيقة»، وعندما أراد دخول المسجد، يصف حالته النفسية على نحو مؤثر، وكيف كان يقدم رجلا ويؤخر أخرى. فجاءت رؤياه حقا كما رآها في المنام.

ولا أخفي القارئ أنني لست من المتحمسين لمن أسلم، بدون تغير نوعي. وإن كنت أتتبع مسارب هؤلاء الذين اسلموا لأعرف ما الذي دعاهم لاعتناق دين يعتبر أصحابه من الأمم الضعيفة في العالم. وينتشر بقوته الذاتية مع ضعف دوره سياسياً.

ويروي لانج عن صديقه (غرانت)، في آخر الكتاب، أنه اعتنق الإسلام بطريقته الخاصة، فلم يطلع على أي مبدأ من خلال ممارسته الميدانية. إلا أنه ترك الإسلام بعد ستة أشهر ليعتنق ديانة السيخ. ثم عاد بعد سنة إلى الإسلام من جديد، ثم ترك الإسلام فاعتنق البوذية. وهذا أمر مألوف ومشهود وملاحظ بين أبناء الغرب في رحلة البحث عن ملاذ للروح من عدمية المادية.

وأكثر ما كنت أتعجب منه في ألمانيا رفاهية القوم مع تعاستهم، فعرفت أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده. ونحن لا خبز ولا أمان. فيجب أن لا نشمت بهم ونهتم برفع مستوانا أكثر من التغزل بعيوبهم.

وأكثر بحث مدعاة للحساسية والغبش، وغير مريح، هو مشكلة (النماذج الإسلامية). وهي قضية تعرض لها يوما (حارث سيلاجيج) وزير خارجية البوسنة الأسبق حينما سئل عن موعد قيام الدولة الإسلامية، فقال: نحن لسنا دولة إسلامية، بل نحن دولة تجمع أديانا شتى. وكلامه هذا قد يكون صدمة للجاهلين.

وفي فرجينيا في أمريكا لفتت نظري خطبة الجمعة التي تحدث فيها رجل أمريكي معتنق الإسلام، فشدد على انه يجب أن نكون عالميين، ولا نحصر أنفسنا في دولة محدودة صغيرة عنصرية، كما يحلم مجاهدو كشمير والشيشان، فينشئوا دولاً سخيفة بديكتاتورين أقزام يرتدون عباءات إسلامية من سندس واستبرق؟

قام جيفري لانج في كتابه (الصراع من أجل الإيمان) بعرض وجهة نظره في مسائل شائكة قد لا يتحملها هامش العرض. ولكنه أشار بشكل واضح إلى فكرة (النماذج الإسلامية). والشكل المتشدد المحنط في بلد إسلامي ليس بالضروري الجيد، ولا هو النموذج الموجود في بلد آخر. وممارسة الإسلام في مصر غير ممارسته في الخليج. كما أن إسلام الألماني أو الأمريكي لن يكون على شكل الهندي أو الفليبيني. ولمس (الغزالي) في كتابه (فقه السنة) الجدار الصاعق، فكاد أن يحترق حينما تحدث عن الفقه البدوي؟

كذلك تعرض جيفري لانج في كتابه (الصراع من أجل الإيمان) إلى قضية المرأة وحضورها الاجتماعات العامة. ونبه من خلال فكرة النماذج إلى أن وضع المرأة الأمريكية ومشاركتها مع زوجها حضور المؤتمرات لا يمكن أن يكون نسخة عن المرأة الشرقية. وتعرض كذلك لمشكلة خطيرة في علم الحديث حينما يتناقض مع نصوص قرآنية واضحة في مسائل خطيرة. مثل ولاية المرأة واللباس ونقص العقل والدين والردة. وباختصار فقد أثار الرجل البحث حول قضايا نحن لم نفتح ملفاتها بعد. وربما لا نتجرأ على ذلك بعوامل من استبداد الثقافة الراسخة عندنا.

وفي النهاية يذكر الرجل موضوع الصراع العربي مع إسرائيل، ويتكلم عن سيكولوجية اليهودي. وأنهم يخافون من انقلاب الزمن عليهم مهما علوا في الأرض. لقد تمتعت بقراءة الكتاب للغاية، وأصدر له دار الفكر من جديد كتابا بعنوان «حتى الملائكة تسأل؟».

يروي لانج في مطلع الكتاب عن والده الذي خرج معه في يوم ضباب بارد للصيد، فسأله هل تعتقد بالجنة والنار؟ فلم يجبه والده حتى ظن أنه لم يسمع السؤال، وبعد مسيرة نصف ميل نظر والده عبر الأفق وقال: يا بني بالتأكيد توجد أماكن كثيرة لجهنم على وجه الأرض!

[email protected]