السعودية ومغزى جولة علاوي

TT

جولة التطبيع التي قام بها رئيس الحكومة العراقية «إياد علاوي» للدول العربية والإسلامية، خاصة من جيران العراق، قادته إلى المملكة العربية السعودية، وأعتقد أن محطته السعودية تكتسب أهمية مضاعفة وذلك لسببين رئيسيين:

الأول: هو الموقع السياسي الذي تحتله السعودية في قلب العالم العربي وقلب العالم الإسلامي، وبالتالي كطرف مؤثر في العالم والسياسة العالمية.

الثاني: أن جميع الجيران الذين زارهم «إياد علاوي»، قام معهم بدور المعاتب، حيث يطلب منهم أن لا يتسرب الأذى منهم إلى العراق بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولكن في زيارته السعودية، فإن الوضع في جوهره مختلف تماماً، حيث السعودية في موقع المساعد والداعم للعراق، حتى لا يتسرب الأذى من العراق إلى السعودية نفسها، وبالتالي فإنه إذا كان «إياد علاوي» قد ذهب إلى الآخرين شاكياً ومعاتباً، فإنه ذهب إلى السعودية شاكراً وآملاً وواعداً أن يبذل المزيد من الجهد المثمر.

وهذا بدوره يقودنا إلى النجاح الذي حققته الحكومة السعودية في اجتثاثها لموجات الإرهاب والإرهابيين، بأسلوبها المعمق الذي اعتمد على القوة والحزم والكفاءة، واعتمد أيضاً، الحوار والعفو، وفتح باب التوبة للتائبين وإعادة تأهيل العائدين الصادقين. وبهذا، فإن السعودية تعاملت مع الإرهاب والإرهابيين بطريقة لا تترك لهم أي غطاء يتسترون به. فلقد كان استهدافهم للسعودية، من البداية، يثير أكبر قدر من الشك والريبة في أهدافهم ودوافعهم ومحركيهم في هذا الاتجاه الخطير. فلقد راقب العالم كله السياسة المتوازنة للدولة السعودية من القضايا الإقليمية والدولية. وكيف أن السياسة السعودية قد عبّرت عن أفق واسع من الفهم لتغير المعادلات الدولية، وما يصاحب تبدّل الأنظمة الدولية من تداعيات مختلفة. وهذا بالتحديد ما فضح الوجه الحقيقي للإرهابيين، الذين وجدناهم يستهدفون أمن السعودية، في الوقت الذي انتقلت فيه معظم القوات الأجنبية إلى مواقع أخرى، بل في الوقت الذي طرحت فيه المملكة مبادرة السلام الشاملة التي تبنتها القمة العربية في بيروت، وهي المبادرة التي ردت عليها إسرائيل بإعادة احتلال الضفة الغربية وتسعير حملتها المعادية ضد السعودية، وتسعير الحملة ضد المملكة من بعض مراكز القرار المتصهينة داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها، حتى لقد وجدنا بسطاء الناس في العالم العربي والإسلامي يتساءلون عن كيفية حدوث هذا التلاقي في التوقيت والهجوم ضد السعودية بين إسرائيل ومراكز القرار الحليفة لها وبين هؤلاء الإرهابيين الذين يرفعون شعارات الإسلام تسنراً وزيفاً؟!

ولأن هؤلاء انكشف عنهم الغطاء، فإن بوادر هزيمتهم كانت سريعة وواضحة، لأن السعودية أثبتت مجدداً أنها تعي حجم دورها الكبير في قلب عالمها العربي والإسلامي، وأثبتت مجدداً بأنها تتحمل المسؤولية بمستوى هذا الدور الكبير، وهي في هذا الموقع من التوازن الضخم لا تحب نمط الألعاب السياسية الاستعراضية، ولا تحب القفزات المتسرعة في الهواء، بل تنطلق من ثوابتها ومسؤوليات موقعها.

في نهاية المطاف فإن نجاح السعودية في المعركة التي تخوضها ضد الإرهاب، إنما هو نجاح يؤسس لانتقال هذه المنطقة بأسرها إلى طور جديد من التفاعل الحضاري على كافة الأصعدة، فالسعودية لم تهرب نحو الانكفاء من رياح التغيير العالمية.

الكثيرون في الولايات المتحدة، وغيرها، انجرفوا بسرعة إلى سوء الفهم للسعودية، اليوم ها هم اليوم يتراجعون عن مواقفهم المنحازة، ويطلبون من أنفسهم فهماً أعمق..

* دبلوماسي فلسطيني سابق