وجهة نظر

TT

في مرحلة من مراحل حياتي كنت من أشد المعجبين بعباس محمود العقاد، وقرأت تقريباً معظم مؤلفاته، وراسلته كقارئ عندما كنت طالباً، ورد على رسائلي عدة مرات في يومياته التي كان يكتبها في جريدة الأخبار المصرية.

غير أن هذا الإعجاب بدأ يفتر مع مرور الوقت، بعد أن اتسعت دائرة الرؤيا بالنسبة لي.. لأنني وجدت الرجل عنيفاً جداً في خصوماته بدون منطق مقنع، كما أنه متناقض في نفس الوقت بين موقف وموقف مضاد آخر.. فها هو يسجن بعدما هاجم الملك فؤاد بكلمته الشهيرة التي قال فيها: «ألا فليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل الدستور وحمايته».. وانتهى به الأمر بعد حين إلى أن يقول: «من نصر الملك فقد نصر الحق ونصر الأمة، ومن تولى فعليه لعنة الحق ولعنة الأمة».. وانتقل بعد ذلك من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وبعد ان كان يدافع عن الدستور، أصبح يحاربه، بل انه هاجم مجانية التعليم، ومطالب العمال والفلاحين، وتحرير المرأة.

وبعد أن كان يهاجم الإنجليز والاستعمار قبل أن يطرد من حزب الوفد، نراه قد أخذ يمالئ الإنجليز، ونشر إبان احتدام الحرب العالمية الثانية كتابه المعروف «هتلر في الميزان»، الذي أخذت السفارة الانجليزية في القاهرة توزعه بالمجان، وعندما وصلت القوات الألمانية إلى العلمين، هرب إلى السودان، ولم يعد إلا بعد أن تأكد من هزيمتهم.

هجومه على الشاعر شوقي، كان غير مبرر إطلاقاً، إلا من باب الغيرة والحسد، حيث أن شعر شوقي نابع عن إبداع عظيم يتسلل إلى الوجدان بدون أي افتعال، بعكس شعر العقاد الذي طبعه في سبعة دواوين، كلها كانت عبارة عن «تكسير حجارة».

استخدم ألفاظا يترفع أن يستخدمها طه حسين مثلاً، فنجده في وصفه لخصومه الذين كانوا في يوم من الأيام من أعز اصدقائه، يستخدم مفردات مثل: «الأوباش» و«الصعاليك».

وإليكم ما قاله عن صديقه القديم أحمد ماهر: «أما أنت يا دكتور ماهر فكذاب منافق»، وعاد بعد هذا الكلام ليصادق ماهر مرة أخرى وينضم معه إلى حزب السعديين، وأصبح كاتبهم الأول في صحيفتهم «الأساس» تحت رئاسة: «الكذاب المنافق» ماهر، على رأي العقاد.

وها هو يقول عن حبيب قلبه في يوم من الأيام «مكرم عبيد»: «ذلك الدجال البهلوان المأفون المأفوك المغرض الكذاب المخبول المحتال الجبان الذليل الوصولي المنافق المفضوح المهتوك، الوغد الذي لا يصل إلى موطئ النعال، المهرج الخسيس الحقود».

واقرأوا ما قاله عن محمد محمود الذي أصبح رئيسا للوزراء: «المجنون المفتري، العيي الألكن، منكر الصوت، مسلوخ المخارج، لسانه قصدير، وذراعه من جريد، مغتصب المناصب»، والغريب أنه بعد ذلك أخذ يتودد ويتملق لمحمد محمود لكي يدخل البرلمان.

حتى كتبه المسماة «العبقريات» فيها جهد القارئ الباحث، أكثر مما فيها من جهد المبدع، وإذا استثنينا كتابه عن «ابن الرومي» قد لا نجد شيئاً يذكر.

هذه هي وجهة نظري، وقد تكون صحيحة، وقد تكون كذلك خاطئة.