تيه عربي في صناديق الاقتراع الأميركية

TT

لأول مرة في تاريخ مؤتمرات الحزب الديمقراطي الاميركي، يتضمن البرنامج اعترافا صريحا بفلسطين. ويمكن ان نشكر جورج بوش وليس جون كيري على جعل هذا النوع من اللغة ممكنا.

الرئيس بوش يشعر بالفخر بأنه فعل ما عجز عن فعله أي رئيس اميركي آخر، بما في ذلك بيل كلينتون. فقد اقر علنا بأن الشعب الفلسطيني يجب ان تكون لديه دولته. إلا ان بوش جعل السياسة الاميركية وثيقة الصلة بإسرائيل على نحو لم يسبق له مثيل، منذ تأسيس الدولة اليهودية عام 1948. ومع هذا التوجه الجمهوري في السياسة الاميركية، جاءتهم التبرعات بملايين الدولارات من الاميركيين اليهود فيما كان من المحتمل ان تذهب الى الحزب الديمقراطي.

تولى مستشار الرئيس بوش لشؤون السياسات، كارل روف، الذي يعتبر العقل الاستراتيجي المدبر وراء العمل السياسي في البيت الابيض، مهمة اجتذاب دماء (وأموال) جديدة للحزب الجمهوري، وتعتبر علاقات روف الوثيقة مع المجموعات المسيحية الانجليكانية، التي تشكل جزءا رئيسيا من قاعدة بوش وتؤيد اسرائيل والحركة الصهيونية، ميزة تصب في مصلحة مساعيه لإنهاء التأييد اليهودي للديمقراطيين. فيما تعتبر غالبية اليهود الاميركيين من المعتدلين سياسيا والمؤيدين لعملية السلام في الشرق الاوسط التي تضمن أمن اسرائيل، إلا ان انتفاضة الاقصى وهجمات 11 سبتمبر دفعت بهذا التيار الرئيسي الى اليمين.

ففي 12 سبتمبر بدأ اصدقاء اسرائيل المتحمسون حملة علاقات عامة فاعلة، ربطت بين حرب الولايات المتحدة على الارهاب وقتال اسرائيل المستمر مع الفلسطينيين، معلنة ان القيم المشتركة للشعبين الاميركي والاسرائيلي يتهددها الخطر. ونجحت الحملة والخبراء المؤيدون لهذا التوجه والذين هيمنوا على وسائل الإعلام، في ترك انطباع دائم لدى الكثيرين، في وقت كان الناس فيه اكثر عرضة للتأثر. ولم يمض وقت طويل حتى انضم ايضا البيت الابيض، الذي يشغل معظم وظائفه عدد من كبار المسؤولين الذي عملوا في السابق في مراكز بحوث مؤيدة لإسرائيل، لتأييد ممارسات آرييل شارون، الذي اطلق عليه الرئيس جورج بوش «رجل السلام»، بدءا من توسع في المستوطنات وبناء جدار الفصل، والإذلال الذي يحدث عند نقاط التفتيش، وانتهاء بنسف مخيمات اللاجئين والاغتيالات، وكلها مورست داخل الاحاديث حول الحرب على الارهاب.

ليس بوسع شارون التصويت يوم 2 نوفمبر، إلا ان ملايين اليهود الاميركيين سوف يصوتون في الغالب. وفيما نجح الحزب الجمهوري في اجتذاب الدعم المالي على نحو غير مسبوق، فإن الاصوات هي الامر الأهم في آخر المطاف. يختلف خبراء الاستطلاعات فيما اذا كان المال مؤشرا على تغيير حقيقي في الولاء السياسي، وإذا كان الامر كذلك، بأي نسبة وسط جالية لا يشكل افرادها سوى نسبة 4 في المائة فقط من جملة الناخبين. ولكن في ظل نسبة اقتراع تقل عن 50 في المائة، يكمن ان تلعب الاقليات الصغيرة دورا حاسما في الولايات التي تشهد تنافسا انتخابيا ساخنا، حيث حسمت انتخابات الرئاسة السابقة عام 2000، بواسطة نسبة ضئيلة من النقاط. فقد فاز بوش في فلوريدا بفارق 537 صوت فقط، وفاز في اوهايو بفارق يقل عن 4 في المائة، لذا يتوقع ان يكون التنافس حادا والفوارق ضئيلة بين مرشحي الرئاسة.

وفي الوقت الذي يتركز فيه معظم الاهتمام على الهيسبانيين الاميركيين، وعلى الافارقة الاميركيين وعلى اليهود الاميركيين، فمن المرجح ان تقبل اقلية اخرى، نمت بنسبة 80 في المائة في العقد الماضي، بأعداد كبيرة على صناديق الانتخابات: وهي الاقلية العربية الاميركية.

لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية عندما تم احتجاز مائة الف اميركي ياباني في مراكز اعتقال، ان تعرضت اقلية لمثل هذا الهجوم المحسوس على حقوقها المدنية، مثلما حدث للعرب الاميركيين بعد 11 سبتمبر. فإعداد الملفات الشخصية واختيار افراد للاستجواب اعتمادا على عرقيتهم او خلفياتهم الدينية، حرك الجالية بطريقة فاعلة، ربما اكثر من قضية فلسطين، يضاف الى ذلك تسامح ادارة بوش ـ اذا لم يكن الاحتضان الكامل ـ لتكتيكات شارون، والحرب في العراق، والاحتلال الذي اعقب ذلك، فقد انخفض تأييد بوش وسط هذه الجالية من 46 في المائة الى 25 في المائة في اخر استطلاع اجرته مؤسسة زغبي الدولية.

من الناحية العملية، فإن العرب الاميركيين لا يعيشون في الأماكن ذات التأثير. فإذا كنت تبحث عن وسيلة لتقديم عدة اصوات الى كيري ـ تذكر ان غور فاز في التصويت الشعبي ـ فأنت في حاجة الى تحول هام في الاصوات العربية الاميركية في ولايات هامة مثل فلوريدا وأوهايو وميسوري وأوريغون وتينيسي. غير انه، طبقا للمعهد العربي الاميركي، فإن اكبر تجمع للعرب الاميركيين هو في كاليفورنيا ونيويورك وميتشغان. وفي عام 2000 حصل آل غور بسهولة على هذه الولايات. كما فاز بولاية إلينوي، وهي ولاية اخرى يتركز فيها العرب الاميركيون. ويقدر المعهد العربي الاميركي ان عشرات الآلاف من العرب الاميركيين يعيشون في فلوريدا، وبصفة خاصة في مقاطعتي داد وبروارد، وهما قلب معركة انتخابات 2000. غير ان وجود جالية عربية لا يعني ان الشخص سيصوت ضد بوش.

وبالرغم من ان سياسة بوش قد تسببت في اسف الكثير من العرب الاميركيين على التصويت لصالحه في عام 2000، فإن معظمهم يرتبطون بالقيم الاجتماعية المحافظة التي تجعلهم اقرب للحزب الجمهوري من الحزب الديمقراطي. ويضاف الى هذا الغموض الانتخابي ان العرب الاميركيين بدأوا في التحرك سياسيا بأعداد كبيرة. وعلينا الانتظار لمعرفة ما اذا كانوا سيصوتون بأعداد كبيرة ككتلة ام لا. فانتخابات الرئاسة لعام 2004، هي اهم اختبار لاحساسهم بالانتماء لعديد من القضايا، سواء اجتماعية ام سياسية، وهي مؤشر لمدى تصويتهم ككتلة.

واذا وضعنا في الاعتبار الافتقار الى التلاحم في المعسكر العربي الاميركي، والافتقار الى الفائدة العملية لدعم عملية السلام العربي الاسرائيلي، فلا يجب ان نندهش ان جون كيري لم يشر في خطاب قبوله الترشيح، الى تضمين برنامج الحزب الديمقراطي للقضية الفلسطينية. ومن الواضح انه يتهرب من يسار الحزب ويلتزم بموقف الحزب بخصوص العراق، وقد كان اكثر لطفا بالنسبة لحلفائنا فيما غير موقفه بالنسبة لحائط شارون وهاجم قرار محكمة العدل الدولية بلغة تجعل ديك تشيني فخورا.

وحتى اذا ما فاز كيري ورشح بيل كلينتون مبعوثا له الى الشرق الاوسط، فان الفارق الأوضح بين كيري وبوش بشأن النزاع العربي الاسرائيلي هو أنه لا ضمانة لأن يقدم كلينتون وهو خارج منصبه، ما لم يستطع تقديمه عندما كان في منصبه. ومما يثير المفارقة أنه يتعين أن يكون بوش هو المفضل بالنسبة لمؤيدي العملية السلمية، ذلك ان ولايته الثانية تمنعه من الترشيح لولاية أخرى تتيح له متابعة المفاوضات المعقدة.

ومن الخطأ الاستراتيجي الفادح ان نخلط الاسرائيليين بأرييل شارون. ففي استطلاع للرأي اجري أخيرا قالت أغلبية الاسرائيليين ان عليه الاستقالة. وعبرت أغلبية واضحة عن عدم الثقة به. وتتمتع خطة الانسحاب من غزة من جانب واحد بدعم واسع من الاسرائيليين، ولكن ليس من المتشددين في حزب الليكود. فأزمة القيادة حادة. ولكن الاسرائيليين غير مقتنعين بوجود بديل عملي. فالشيطان الذي تعرفه افضل من ذلك الذي لا تعرفه.

والأكثر تأثيرا ان الفلسطينيين يحتاجون بإلحاح الى مخرج من البؤس الطاحن والركود السياسي والانحدار نحو الفوضى التي تواجههم. انهم يستحقون اكثر بكثير مما يبدو ان قادتهم قادرون على توفيره وأكثر بكثير، بالتأكيد، مما يمكن ان يعتبره شارون استعدادا لمنحة تأتيهم منه.

وهناك، في الواقع، حل واحد: لا بد من إحياء خطة السلام التي تم التوصل اليها في بيروت عام 2002. فضمان توقيع 22 رئيس دولة عربية، لم يكن عملا سهلا. غير انه يبدو ان ذلك هو الانجاز الوحيد للوثيقة حتى الآن. فمنذ ذلك الحين واجهت الخطة الضعف واصبحت ضحية للتفجيرات الانتحارية في اسرائيل.

ومن الواضح ان جورج بوش لا يستطيع الوفاء بوعده بشأن فلسطين. ومن باب التكهن، وحسب الاشارة يمكن لجون كيري يمكن أن يتصرف بطريقة أفضل. وبدلا من التوجه الى واشنطن يحتاج الناس في المنطقة الى التطلع الى زعمائهم من أجل التوصل الى حل. فولي العهد السعودي يتحرك في المسار الصحيح. وقد آن الأوان لمحاولة ثانية، ولكن بصورة أكثر واقعية ودأبا.

* كاتبة اميركية