على خطى أزنار؟

TT

منذ فاز الرئيس الاميركي جورج بوش بالرئاسة الاميركية بأصوات معدودة من المجمع الانتخابي ـ بعد خسارته الاقتراع الشعبي لصالح آل غور ـ وعقدته الانتخابية هي ألا يكرر تجربة والده بالولاية الرئاسية الواحدة. وآنذاك نقل بعض المقربين عنه قوله، فور الانتهاء من تثبيت نتيجة انتخابه، انه لن يقع إطلاقا في ما وصفه بغلطة والده ويكتفي بولاية رئاسية واحدة.

هذه الخلفية لانتخاب جورج بوش تعود حية الى الذاكرة بعد ان أوحى تصرفان رسميان ان حملة تجديد ولايته بدأت تعاني من عوارض عقدة «غلطة الأب»، اي عقدة الولاية الواحدة التي لم يقصر المرشح الديمقراطي، جون كيري، في التأكيد انها ظاهرة سياسية عائلية.

التصرف الأول كان تلويح إدارته بإرجاء موعد الانتخابات في حال تعرض الولايات المتحدة لاعتداء إرهابي، موحية بان رياح المناخ السياسي في الولايات المتحدة لا تجري بما تشتهيه سفنها وقد تستدعي التهرب من الاستحقاق الانتخابي الداهم.

ولكن إذا كانت الإدارة الجمهورية اضطرت الى طي اقتراحها هذا في أعقاب ما أثاره من مآخذ قانونية وانتقادات سياسية فقد اتبعته بتصرف آخر لا يقل عنه ايحاء بمحاولة تدارك «غلطة الأب»، هو قرار العودة الى التلويح بورقة أسامة بن لادن وإضفاء طابع الجدية عليها عبر رفع درجة التحذير من عمل ارهابي داخل البلاد... رغم ان المعلومات التي استندت ادارة بوش إليها لتبرير قرارها يعود عمرها الى ثلاث سنوات وأكثر.

الكشف عن تهديد إرهابي جديد للولايات المتحدة في خضم معركة انتخابية ترتفع حماوتها بقدر ما يزداد تقدم المنافس الديمقراطي على الرئيس الاميركي في استفتاءات الرأي العام لا يجمل فقط صورة بوش الانتخابية ـ بصفته «الرئيس الحربي» المجرب للبلاد ـ بل يجبر منافسه، جون كيري، على الكف عن انتقاد «القائد الأعلى » للقوات الاميركية على تصرفه حيال موضوع حساس بالنسبة لكل الاميركيين مخافة ان يوسم بـ«اللاوطنية» في حال وقوع اعتداء ارهابي فعلي داخل الولايات المتحدة.

والواقع أن إدارة بوش لم تكف عن ممارسة دبلوماسية التوتير السياسي والتخويف الأمني منذ تربعها، ضعيفة شعبيا، على كرسي البيت الابيض. ولكن سوابقها في التحضير لحربها على العراق اثبتت انها لا تتورع عن اعتماد معلومات استخباراتية منقوصة،غير موثوقة احيانا وعرضة للتأويل عادة، لتبرير خياراتها السياسية مما يجعل التشكيك في مصداقيتها أولى واجبات المراقب الموضوعي لتصرفاتها.

في هذه الخانة بالذات اندرجت حملة التشكيك الاميركية والدولية الواسعة في مصداقية قرار بوش ـ والتي عبرت عنها معظم الصحف الغربية الرصينة مثل صحيفتي «النيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» الاميركيتين و«اللوموند» الفرنسية التي رجحت وجود دوافع «انتخابية» وراء القرار ـ وكذلك ردود فعل العواصم الاوروبية (بما فيها لندن) التي رفضت رفع درجة التأهب في بلادها.

إلا ان اللافت انه مع اقتراب موعد الانتخاب الرئاسي بدأت عقدة «غلطة الأب» تتداخل مع هاجس 11 سبتمبر بطريقة تهدد بالإطاحة بما تبقى من مصداقية إدارة بوش بعد انكشاف ذرائعها الواهية لاحتلال العراق.

وإذا كانت تجربة رئيس الحكومة الاسبانية السابقة، خوسيه ماريا أزنار، في «توظيف» الحدث الإرهابي لخدمة مصلحته الانتخابية أثبتت انها تجربة خاسرة ما لم تكتس بالمصداقية الاستخباراتية الدقيقة، فقد يكون قرار منظري حملة بوش السير على طريق أزنار الوعر في التعامل الانتخابي مع الهاجس الإرهابي المؤشر الأول لاحتمال تكرار «غلطة الأب»... بغلطة من «الابن » هذه المرة.