أول مواعيد الغرام

TT

خسارة ان تصمد أفلام العنف والدم شهورا على الشاشات، ويأتي فيلم رومانسي عن حب مختلف وعميق فلا يمكث غير بضعة اسابيع ثم يختفي، وقد لا يكون العيب في الفيلم لكن في المشاهدين المعاصرين الذين تجمدت مشاعرهم وتبخرت رقتهم، فلم تعد تحركهم وتجذب انتباههم واهتمامهم غير الإثارات المادية.

ان الانطباع الأول الذي يخرج به من يقرأ عنوان فيلم «أول خمسين موعد غرامي» ان البطل هنري بيرس (مقطع موصل)، وانه يحكي عن تجاربه الغزيرة مع نساء كثيرات، وتساعد مقدمة الفيلم على ترسيخ هذا الاعتقاد، فهناك نساء شقر وحمر وصفر وسمر وسود يظهرن ليؤكدن ان ذلك الشخص أفضل مواعيدهن في دنيا الغرام لكن مع الوقت وتتالي المشاهد تبدأ قصة أخرى بالتكشف، فنحن أمام شاب طيب القلب والسريرة وليس من ذلك النوع «الفتك الحمش» الذي تروج له السينما العربية منذ أيام شباب أحمد مظهر وأحمد رمزي ويوسف فخر الدين وحسن يوسف وغيرهم من الفتيان الذين لا تصمد أمامهم ذوات البراقع ولا التنانير القصيرة.

وكان بإمكان الفتى أن يكون على تلك الشاكلة فهو غرنوق وسيم، ومع تلك الوسامة نعمة الإحساس بالمسؤلية التي نظن انها تشقي صاحبها لكننا نهمل انها تعطي مع الأعباء الثقيلة راحة نفسية وإحساسا عميقا بالجدوى، فالأنانية والتركيز على الذات وملذاتها غالبا ما يتحولان الى فراغ روحي كبير.

ومن اللقطات التمهيدية التي نتعرف فيها على البطل الذي يعمل مع الدلافين والحيوانات البحرية ندرك طيبة روحه والبراح النفسي الشاسع الذي علمته اياه البحار ثم تظهر البطلة لنكتشف مع الموعد الثاني والثالث انه موعده الغرامي الوحيد الذي سيظل يكرره وتنساه الى ان يربو عدد المواعيد على الخمسين، فالفتاة التي واعدها في المرة الاولى تحرشا وفي الثانية اختبارا وفي الثالثة شفقة مصابة بمرض فقدان الذاكرة، فما تبقى سليم من ذاكرتها بعد حادث سيارة مروع يسعفها بالكاد تذكر أحداث 24 ساعة.

وأمام ذلك الوضع المعقد وحتى لا تضيع نهائيا تفرغ لها أبوها وأخوها فصارا يضعان لها في صندوق البريد الصحيفة ذاتها التي صادفت يوم الحادث الذي يتزامن أيضا مع عيد ميلاد أبيها وتآمرت ايجابيا معهما صاحبة مقهى القرية، فصارت تحرسها من فضول الغرباء الى ان ظهر من علم الغيب ذلك الفتى الذي شغلته حالتها فانضم الى فريق المهتمين بالمريضة الجميلة فضولا وطيبة ثم حبا عميقا مصفى.

لقد احتار الشاب الطيب في البداية هل يحب الفتاة أم يشفق عليها؟ ثم غلب عليه حب فعل الخير فجعل يتفنن في أساليب العلاج ويستخدم معه الفيديو والرسم وألعاب الأطفال ويحاول ان يذكرها بمواقف معينة لينعش الذاكرة الباهتة المرتجة التي نسيت طعم القبلة الأولى.

ومع ذلك الاهتمام المركز بعقل الفتاة وروحها ومحنتها لاغرو ان نشاهد جميع النساء في أول الفيلم يذكرنه على انه أفضل المواعيد لا بشخصه بل بتلك الصفات السمحة التي تبحث عنها كل أنثى ولا لهن وحدهن بل لأية امرأة، فالرجل الذي يهتم بالاثارة الجسدية وحدها والجمال الشكلي بمفرده لا يصمد في مسيرة الحب، وغالبا ما يكون عاشقا فاشلا. أما أصحاب الارواح المليئة بالنبل والعطف والحنان والذين يفكرون في المرأة بوصفها انسانا قبل ان تكون أنثى فهم العشاق الحقيقيون الذين يمكن الركون الى قدرتهم على الحب المختلف الذي لا يختصره الجسد، فهو وقبل التفاصيل كلها تضحية وعطف ومشاركة وجدانية في المحنة.

ان فكرة الفيلم ليست جديدة، (فيا ما) فقدت جميلات ذاكراتهن في الأفلام. أما الجديد فيه، فبساطة المعالجة وحيويتها وإظهار الجانب الطيب ليس في البطل وحده بل في معظم من يحيطون بالمريضة فكأننا في عالم آخر غير الذي نعرفه ونعرف كم ازدادت بشاعة أهله وتقزمت انسانيتهم تحت ضغوط وإغراءات الماديات الاستهلاكية المعاصرة.

[email protected]