موعد للعرب مع لحظة زلزالية قريبة

TT

اذا كانت لن تحدث مفاجأة لها وقع الصدمة على اميركا قبل يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، فإن ما سيحدث في هذا اليوم سيكون زلزالاً وبمثل زلزال يوم 11 سبتمبر (ايلول) 2001. ففي ذلك اليوم ستجد اميركا نفسها امام حالة سياسية جديدة بالغة الخطورة. ونقول ذلك على اساس انه اذا كان من سيفوز بالبيت الابيض هو الثنائي الجمهوري جورج بوش الإبن ـ ديك تشيني فإن مخطط الهيمنة الحالي سيتكرس وسنجد اميركا البوشية ومنطلق الشعور بنشوة الانتصار القائم على ذروة التحدي، تشد القبضة اكثر على العراق وتحسم التردد في ما يخص ايران وسورية بحيث ينقضّ الصقر الاميركي على الفريسة الإيرانية واضعاً الحكم السوري الحليف الاستراتيجي للنظام الثوري الايراني أمام احد خيارين: إما الانكفاء مرة واحدة نحو الداخل وفك عُرى التحالف القوي مع ايران، وعدم التعاطي مع الشأن اللبناني بالاسلوب المعمول به منذ عشرين سنة، وبذلك لا يعود عمقه المتمثل بـ «حزب الله» يشكل ورقة صمود استراتيجية. واما القبول اضطراراً ببعض رموز الجيوب السورية المعارضة المتأمركة شركاء له في الحكم بفعل إملاء الشروط في حكومة تكون كفة الواقعية بالمفهوم الاميركي لهذه الحالة هي الراجحة فيها.

وعندما قال وزير الخارجية فاروق الشرع قبل بضعة اسابيع ان اميركا باتت جارة وان التعامل معها سيتم وفق هذا الواقع، فإن رئيس الدبلوماسية السورية كان يرى وبحكم التجربة والمعرفة العميقة من جانبه بالاسلوب الذي تدير فيه اميركا القضايا الخارجية، ما يمكن ان يرتسم في المشهد الراهن للمنطقة من مغامرات يمكن ان تُقدم عليها الادارة البوشية. وليس بالمستبعد بعدما بدأت الدوريات الاميركية تنشط على طول الحدود السورية ـ العراقية، بحجة رصد اي عمليات تسلل الى داخل العراق، ان تحدث «إشكالات»، وربما بغرض الافتعال لتصعيد الازمة مع الحكم السوري. وما نقصده بـ «الإشكالات» هو أن تُكثر الدوريات من الدخول الخطأ في الاراضي السورية وتنتج عن ذلك مواجهات لا تنفع فيها الاعتداءات والتوضيحات الدبلوماسية. وسيكون أمراً بالغ الخطورة في حال ان جنوداً سوريين اطلقوا النار على الداخلين خطأ وأوقعوا اصابات قاتلة في صفوفهم.

ويبدو أن المخطط الذي نشير اليه لن يقتصر على ايران وسورية، وانما هنالك على الخريطة في غرفة العمليات اهداف اخرى كثيرة يستوجب المخطط اخضاعها.. وبغير الحسنى. كما يبدو التحرش الاميركي بالحكم السوداني، ونقل موضوع دارفور من حالة عادية في بلد تكاد خزينته عاجزة عن سد رمق مواطنيه وبالحد الأدنى، الى ازمة كبرى تعمل آلة الإعلام الاميركي على تضخيمها، وكما لو ان الضربة البوشية الآتية ستستهدف الرأس السودانية. لكن القراءة المتأنية بين السطور تترك انطباعاً بأن التحريض الاميركي على السودان وإلى درجة استصدار قرار من مجلس الأمن بإنزال العقوبات في حقه، هو بمثل التحريض الذي استهدف سورية ووصل الى حد سحب سيف «قانون المحاسبة» من الغمد. وفي الحالتين فإن النظامين السوداني والسوري ليسا مدرجين الآن في لائحة المواجهة وإنما النظام الايراني هو المستهدف، وان ما يحدث للسودان ومن قبل ذلك لليبيا ثم لسورية، هو تعطيلها كأعماق استراتيجية يمكن لكل منها ان تشكِّل مفصلاً بالغ الاهمية للنظام الايراني في ساعة الشدة الاميركية. ونقول ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن طبيعة المؤازرة ليست واضحة من الدول الثلاث لإيران في حال ارتأت اميركا البوشية المواجهة معها مستندة في ذلك الى الارض العراقية وجموع «مجاهدي خلق» التي هي مثل الخراف التي احتضنها وأمعن تدريباً بأفرادها العهد الصدَّامي، وارتأت الادارة البوشية وعراقها المتأمرك الإبقاء عليها ترعى في البوادي العراقية وبرعاية تفوق الرعاية الصدَّامية لها. وهذه الجموع ربما ستؤدي الدور الذي كان العراق الصدَّامي يمني النفس بأن تؤديه له.. اي بما معناه يتم دفعها الى داخل إيران لتسلُّم الحكم تحت مظلة وابل الصواريخ العراقية مع فارق ان الصواريخ هذه المرة ستكون اميركية.

وبطبيعة الحال فإنه اذا حدث هذا الشيء، وكان هنالك اسراع في تنفيذ مضامين المخطط البوشي، فإن ما سيحصل سيكون معناه ان الادارة البوشية تحركت وستواصل التحرك في ظل شرعية شعبية، ولذا فلا غبار عليها، وبذلك لا يعود الخطاب الديمقراطي هو المسموع وتصبح العبارة التي قالتها تيريزا هاينز كيري زوجة جون كيري الذي باتت نسبة فوزه بالرئاسة متساوية مع نسبة بوش الابن الطامح الى تجديد الولاية، مجرد خاطرة في غير محلها. والذي قالته هذه الزوجة المليونيرة والتي هي ملكة الـ «كاتش اب» وسائر المطيَّبات الطعامية كانت بضع كلمات تندرج مفرداتها في «القاموس» المتخصص في «زلاَّت اللسان» التي طالما اشتهر بها الرئيس بوش الابن. والكلمات هي: «إذا أراد الأميركان أربع سنوات أخرى لإدارة بوش فإنهم بذلك يريدون أربع سنوات أخرى من الجحيم...». وتزامنت «زلَّة اللسان» هذه مع «زلَّة لسان» أخرى، لا يبدو أنها ستكون الأخيرة، للرئيس بوش نفسه وتمثلت بقوله: «إن حكومتي لن تكف عن استكشاف سبل لإلحاق الأذى بالولايات المتحدة...». وعلى رغم أنه لا يقصد ذلك إلاّ انه قالها وذهبت مثلاً في فنون «زلاَّت اللسان»، فضلاً عن أنها تترجم وتؤكد عبارة زوجة منافسه جون كيري. هذا الذي أشرنا إليه، أي استكمال وضع اليد وتوسيع رقعة الهيمنة ومواصلة المغامرات الحربية، هو ما سيحدث على الأرجح في حال غابت شمس يوم 2 نوفمبر المقبل وقد أكدت عملية احتساب الأصوات فوز بوش الابن ـ ديك تشيني بولاية رئاسية جديدة لمدة أربع سنوات، وبما يشبه الزلزال القوي. أما إذا جاء الاحتساب يشير إلى فوز الثنائي الديمقراطي جون كيري ـ جون ادواردز، فإن الزلزال سيكون أكثر قوة لأن أميركا على نحو طروحات هذا الثنائي والصورة الزاهية التي يرسمها لأميركا في حال فوزه، ستكون غير التي أرهقت الأميركان وأرهقتنا كعرب ومسلمين بالسير وراءها والرهان عليها وتحمُّل خبثها ووعودها.

وفي انتظار أن تمر الأيام سريعة، ويحين حدوث الزلزال الأميركي بأحد نوعيه نجد أنفسنا نتساءل: «لماذا نقف متفرجين على يوميات معركة الرئاسة الأميركية. وما الذي يمنع حكوماتنا من إبلاغ الطرفين المتبارزين مشاعرنا ومطالبنا بينما يسارع أرييل شارون إلى تهنئة جون كيري بإعلان ترشُّحه رسمياً... ومن دون أن يستوقف الشارونيين أنهم يهنئون منافس الرئيس بوش الإبن الذي أعطتهم إدارته في أربع سنوات بقدر ما أخذته وتواصل أخذه إسرائيل وأميركا من التنازلات العربية، وما نالته إسرائيل من أميركا طوال 59 سنة.. أي منذ أن تولى هاري ترومان الرئاسة من عام 1945 إلى عام 1953 إلى حين تسلَّم الرئاسة جورج بوش الابن مروراً بأيزنهاور وجون كينيدي وليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلنتون.

وعلى رغم هذا السخاء فإن إسرائيل الشارونية التي تلعب على الحبلين الجمهوري والديمقراطي سارعت إلى التودد سلفاً من الثنائي الديمقراطي استعداداً واستباقاً لمفاجأة يوم 22 نوفمبر 2004 بينما نحن كعرب مثل من هو على الرصيف واقف لساعات طويلة في انتظار وصول القطار للصعود إليه... والجلوس في آخر مقاعد الدرجة الثانية الخلفية فيما إسرائيل متربعة في أوائل مقاعد الدرجة الأولى الأمامية.