نحو حلول أقل سوءا للعراق

TT

حدث أمر مثير للضحك منذ سلمت أميركا السيادة للعراق، فعلى الأرض تبدو الأمور وكأنها لم تتغير عدا عن كونها أصبحت أسوأ.

لكن ماثيو يغليسياس من مؤسسة اميركان بروسبيكت يقول إن بصمات التجميل التي وضعت على وجه النظام لها تأثير من خلال «أفغنة» التغطية الإعلامية في العراق. وهو يشير في ذلك إلى الطريقة التي نقصت فيها أخبار أفغانستان بشكل كبير بعد هزيمة طالبان العسكرية. فالبلد الذي خضنا حربا من أجل تحريره ووعدنا بتوفير الأمن في ربوعه وإعادة بنائه، هذا الوعد الذي تم التخلي عنه، أصبح مرة أخرى صغيرا وبعيدا لا نعرف عنه أي شيء.

الشيء نفسه بدأ يحدث للعراق بعد 28 يونيو. فالقصص من العراق قد انتقلت إلى الصفحات الداخلية في الصحف وأصبحت خارج إطار شاشات التلفزيون. أصبح هناك انطباع لدى الكثير من الناس أن الأمور قد تحسنت. بل حتى الصحافيون قد تم خداعهم: أكد عدد من القصص الصحافية أن معدل خسائر الاميركيين قد هبط بعد تسليم السلطة (الحقيقة هو أن 42 جنديا أميركيا قتلوا خلال شهر يونيو، و54 في يوليو).

المشكلة في جرف الانتباه هي أننا لا نمتلك صورة واضحة لما يحدث حقا في العراق ولا نستطيع أن ندير نقاشا جادا عن الخيارات المتبقية أمامنا..

في الربيع الماضي تمكنت القوات الاميركية من تحقيق انتصار باهر ضد مليشيا مقتدى الصدر، لكن ذلك الانتصار لم يتمكن من تغيير مسار الأمور. وحسب ما تقوله تقارير كثيرة فإن قوات الصدر هي حكومة مفروضة على أرض الواقع في «مدينة الصدر» والتي يبلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة ويبدو أنها تقوي من مركزها في النجف وفي مدن أخرى.

وفي المناطق السنية تعتبر الفلوجة هي أرض معادية. وفي مناطق اخرى تقع في غرب العراق فان القوات الأميركية، حسب ما كتبه صحفي لوس انجليس تايمز نايت ريدر، تقوم بمراقبة المراكز لكن لا تقوم بالدوريات. وهذا يعني تسليم حكم الناس الى يد المتمردين. وفي كل مكان هناك هجمات بالهاون والقنابل وعمليات اختطاف واغتيالات وهلم جرا.

وعلى الرغم من الهدنة التي استمرت شهرين بين مليشيا الصدر والجيش الاميركي فان اندلاع قتال شديد بين الطرفين يوم الخميس الماضي في النجف حيث تم اسقاط طائرة هليكوبتر اميركية هناك. كذلك كان هناك عنف متقطع في مدينة الصدر ـ حيث يقول الصحافيون ان الطائرات الاميركية قامت باسقاط قنابل.

وفي نفس الوقت تعثرت عملية اعادة الاعمار. فقد شهد صيف هذا العام، كما هو الحال صيف العام الماضي، نقصا كبيرا في امدادات الطاقة الكهربائية. كما ان نظام الصرف الصحي يلوث امدادات المياه مع ارتفاع حالات التايفويد والتهاب الكبد الفيروسي. اما العطالة، فلا تزال معدلاتها عالية، ولا اعتقد اننا في حاجة الى القول ان هذه الأوضاع في مجملها تنسف أي فرصة أمام الحكومة العراقية لكسب تأييد واسع.

لم اقصد من ايراد كل هذه الاخبار السيئة اشاعة الإحباط وإنما اهدف الى وضع سياق حقيقي للجدل السياسي.

ثمة جانب واضح، وهو ان المناشدات بالتمسك بالموقف لا تعدو ان تكون ضربا من السخف. فالموقف الذي نحن فيه الآن يفضي الى منحدر. ربما يكسب الجنود الاميركيون معارك باستمرار، إلا اننا نخسر الحرب. قواتنا تحت ضغوط هائلة، كما ان عدد الارهابيين الذين نساهم في ايجادهم كل يوم اكبر من عدد الذين نقتلهم. اما سمعتنا، بما في ذلك سلطتنا الاخلاقية، فتتعرض لأضرار مع كل يوم يمر على استمرار هذه الاوضاع.

لا اعتقد ان احدا يريد ان يرى طائرات الهليكوبتر تقل آخر جنود اميركيين من على اسطح المنطقة الخضراء، لكننا بالضرورة في حاجة ماسة الى التحرك بأسرع ما يمكن لإنهاء وضعنا كـ«قوة محتلة في ارض معادية» وهو المصير الذي حذر منه الرئيس السابق بوش وحده في حال غزو العراق. وبالتالي، فإن السبيل للخروج من هذا الوضع هو تسليم السيادة للعراقيين.

المسؤولون الاميركيون فوتوا الفرص مرارا منذ سقوط بغداد ـ عندما ألغى الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر الانتخابات المحلية للاحتفاظ بالمقاعد للمعارضين المنفيين الذين تفضلهم الولايات المتحدة ـ لترقية وترفيع قادة عراقيين يحظون بثقة قطاعات واسعة وسط العراقيين، ولكن في كل مرة تصبح الفرص المتبقية اكثر سوءا.

ولكن عندما يقترح علاوي عفوا عاما على المتمردين ـ وهي خطوة الغرض منها كما هو واضح إظهار علاوي نفسه وكأنه ليس دمية في يد واشنطن، تدخل مسؤولون اميركيون وأصروا على إعدام كل من قتلوا اميركيين، ربما خوفا من أي انعكاسات سلبية لاقتراح علاوي وسط الرأي العام داخل أميركا. هذا الموقف الذي يشير الى ان ارواح الاميركيين اكثر اهمية من ارواح العراقيين ساهم في ان يبدو علاوي كدمية في يد الاميركيين.

ترى هل ينبغي ان نترك العراق؟ لا... ولكن يجب ان نكون اكثر واقعية ونبحث بجدية عن مخرج.

* خدمة « نيويورك تايمز»