مرشحان.. نعم.. ولكن الأولويات واحدة..!

TT

يعتبر الأمن القومي في الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الحالي، أكثر أهمية منه في أي وقت منذ الصراع ابان الحرب الباردة. ومن المحتمل أن تكون هذه المسألة، العامل الأكثر أهمية عندما يلقي الناخبون أوراقهم في صناديق الاقتراع في انتخابات نوفمبر (تشرين الأول) المقبل.

وفي خطابه في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي، الذي اختاره مرشحا للرئاسة، أكد السناتور جون كيري، على ماضيه العسكري، وعزمه على الدفاع عن أمن البلاد. وعندما يجتمع الحزب الجمهوري الشهر المقبل، لإعادة ترشيح الرئيس جورج دبليو بوش، فمن المؤكد انه سيشدد على سجله الخاص في حماية أميركا من مخاطر الارهاب وأسلحة الدمار الشامل.

ومن الطبيعي ان يظهر السناتور كيري والرئيس بوش، في انتخابات السنة الحالية، شديدي الانتقاد لآراء وسياسات بعضهما البعض. والحقيقة انه في مسألة ما اذا كان الأميركيون يستحسنون أو لا يستحسنون العمل الذي قام به بوش كرئيس، فإنهم أكثر استقطابا في اطار الولاءات الحزبية مما كانوا عليه في أي وقت، خلال نصف قرن مضى.

وللأجانب ايضا، آراء فعالة حول الرئيس بوش، ولكنهم سيفعلون خيرا اذا ما أدركوا انه على الرغم من الاختلافات بين بوش وكيري، فان من يختاره الناخبون كرئيس مقبل، سيجد سياساته الخارجية مصوغة في اطار ثلاث حقائق أساسية:

الأولى والأكثر أهمية، تتمثل في أن هناك دلالات الهجوم الارهابي في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 على مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع. وقد لقي ثلاثة آلاف أميركي مصرعهم في الهجوم، وهو عدد أعلى من أي حادث في يوم واحد على امتداد التاريخ الأميركي. ونتيجة لذلك، فان الأميركيين الآن، يرون الربط بين الارهاب الاسلامي المتطرف وأسلحة الدمار الشامل، باعتباره أخطر تهديد لأمن البلاد. وسيضع أي رئيس الحرب على الارهاب، في رأس أولوياته بالضرورة. وفي الواقع، فان تقريرا نشرته أخيرا لجنة الحادي عشر من سبتمبر، ووافق عليه بالاجماع أعضاؤها الجمهوريون والديمقراطيون، يشخص عدو أميركا باعتباره «التهديد الذي يشكله الارهاب الاسلامي على نحو خاص». وفي الوقت ذاته فان اللجنة كانت واضحة في الاعلان عن أن بن لادن وأمثاله، يشوهون الاسلام، وأن «العدو ليس الاسلام، الدين العالمي العظيم، وإنما الانحراف عن الاسلام».

والحقيقة الثانية، هي انه وبرغم التمني القائم تجاه امكانية توفر وسائل أكثر نجاحا في تعامل حكومات العالم مع المشاكل الدولية الأكثر الحاحا وخطورة، إلا ان الأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى تبقى عاجزة عن القيام بحلها.

وتمتلك الأمم المتحدة دورا هاما تلعبه، كما هو حال منظمات مثل الاتحاد الأوروبي، ولكنها تبقى عاجزة عن التصرف في الوقت المناسب وبطريقة فعالة تجاه قضايا مثل نشر الأسلحة والإرهاب والتطهير العرقي وأعمال الإبادة الجماعية.

وفي حالة الأمم المتحدة، يكمن الخطأ في بنية اتخاذها القرارات، وهيكلية مجلس الأمن وعجزه عن التصرف، ما لم يتفق الأعضاء الخمسة الدائمون. وتشتمل الأمثلة البارزة على نواقص الأمم المتحدة، على البيروقراطية، وفساد برنامج النفط مقابل الغذاء قي العراق، والفشل في ايقاف الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، والتطهير العرقي في البوسنة خلال اعوام 1991 ـ 1995، والافتقار، حتى الآن، الى اجراء فعال بشأن الوضع الرهيب في اقليم دارفور بغرب السودان. والى ذلك كان تخلي الأمم المتحدة عن مثلها وقيمها واضحا على نطاق واسع أيضا، كما هو الحال مثلا، في اساءة استخدام لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، والتي تشتمل عضويتها على دول شديدة الانتهاك لحقوق الانسان. ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دورا حيويا في تحمل الأعباء، وفي تعزيز شرعية اعمال التدخل الانسانية، ولكن هذا يعتمد على ارادة أعضاء مجلس الأمن، وعلى ما اذا كانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مستعدة للمشاركة بقوات وموارد للقيام بعمليات الأمم المتحدة.

وثالثا، فالنظام الكوني الذي نعيش فيه لا توجد فيه سلطة مركزية. ولا توجد حكومة للحكومة. وفي مثل هذه الظروف، تملك الولايات المتحدة دورا مميزا في التعامل مع الآخرين لمواجهة اكثر المشاكل العالمية عجالة وخطورة. واذا لم تكن قادرة او غير راغبة في التدخل، فمن المرجح ان يؤدي ذلك الى عرقلة قدرة المجتمع العالمي على التدخل. ولاحظوا ايضا، ان العديد من التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة (الصومال والكويت والمناطق الكردية في شمال العراق والبوسنة وكوسوفو وأفغانستان)، ادت الى انقاذ سكان مسلمين من المجاعة والقهر والتطهير العرقي او القتل الجماعي.

وفي الوقت ذاته، لا تملك الولايات المتحدة سلطة مطلقة، ولذا فهناك العديد من الاسباب المقنعة للتعاون، ومشاركة الاعباء مع الآخرين كلما كان ذلك ممكنا. وحقا، فإن استراتجية الامن القومي المثيرة للجدل، التي اعدتها ادارة بوش في 2002، تتضمن التزامات قوية تجاه التعددية. ويمكن فهم هذا الالتزام بأفضل طريقة، اذا ما نظرنا الى ما يوحي اليه من الرغبة بمزيد من التعددية بقدر الإمكان، والكثير من الفردية اذا ما لزم الامر، كما توضح هذه العبارة التي حملتها ورقة الاستراتيجية: «وفي الوقت الذي ستستمر فيه الولايات المتحدة في الحصول على دعم المجتمع الدولي، فإننا لن نتردد في التصرف وحدنا».

لذا، ليس مستغربا ان يقول جون كيري وجورج بوش، ان أمن الولايات المتحدة يتعرض للخطر. انهما لن ينتظرا مصادقة دولية قبل اتخاذ خطوة ما. قال كيري في المؤتمر الاخير للحزب الديمقراطي الشهر الماضي، انه لن يعطي أي دولة او مؤسسة، حق الاعتراض على امر يتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة، إلا ان حديثه هذا، يتعارض مع مزاعم بعض القادة الاجانب، الذين يرون ان استخدام القوة ليس مشروعا، ما لم تصادق الامم المتحدة عليه. مع ذلك، فإن الاشارة الى الامم المتحدة تعني مجلس الأمن، وستعني إعطاءه حق الاعتراض لواحدة او اكثر من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، على خطوة تتخذها الولايات المتحدة. ولعله من المفارقة ان هذا الطلب يتجاهل تماما المادة 51 في ميثاق الامم المتحدة نفسه، التي تسمح بالدفاع عن النفس جماعة او على انفراد.

ويبقى انه على الرغم من الخلافات الحزبية القوية خلال هذا العام، فإن الاميركيين ورئيسهم المقبل، سيجمعون على وجود خطر على الأمن القومي، والحاجة الى اتخاذ اجراءات مشددة لمكافحة الارهاب وأسلحة الدمار الشامل. هذه الأولويات، ستظل رئيسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بصرف النظر عمن سيفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة.

* أستاذ في قضايا الحكم والسياسة الخارجية. وهو مؤلف لثلاثة عشر كتابا حول العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الأميركية. والمقال خاص بـ«الشرق الأوسط»