العراق .. عودة اللاعبين القدامى من جديد

TT

منذ أن تحرر العراق من نظام الدكتاتور صدام حسين في التاسع من إبريل العام الماضي، والمشهد السياسي الإقليمي تلفه الكثير من الضبابية والغموض، فهناك دول عديدة إتخذت مواقف مطأطة، ووقفت في المنطقة الرمادية. فلا هي أعلنت وقوفها مع التغيير في العراق وإسقاط الدكتاتور العراقي، ومن ثم التزمت بدعم التحول السلمي في العراق، ولاهي أعلنت أنها ضد عملية التغيير أو دعمت ما يسمى بـ«المقاومة» العراقية بشكل صريح يمكن التعامل معه.

ويجوز أن يقال أن كثيرا من التعقيد الذي يعاني منه الوضع العراقي اليوم هو بسبب تلك المواقف التي ابتعدت كثيراً عن دعم العراقيين، واكتفت بالنقد إن لم نقل التشفي، وهناك من يشير بأصابع الاتهام إلى أن البعض قد تورط بدعم الأعمال التخريبية، سواء بشكل سري عبر تسهيل عبور الإرهابيين وتمويلهم وإمدادهم بالسلاح، أو بشكل علني من خلال التعبئة عبر وسائل الإعلام العربية التي تمارس الخطابة الأيديولوجية أكثر من العمل الإعلامي المهني. وبكلمة أخرى فالدول العربية تقوم، وعلى أكمل وجه، بكل ما يلزم لتحويل الإنسان العادي إلى إنسان جاهز للقتل، فهناك من يشحن وهناك من يدرب، وهناك من يجهز وهناك من يسهل المرور ويمول، فتتكامل عناصر ومكونات صناعة الإرهاب في العالم العربي عبر «عمل عربي مشترك» ليس له نظير! والمشهد في العراق اليوم يمكن أن يطلق عليه عنوان «عندما يعمل العرب معاً».

المشهد الكارثي الذي يبرز من العراق ليس استثناء من كثير مما يحدث من أعمال العنف في المنطقة، ولكن ما يدفعة إلى الواجهة هو بشاعة ودموية ما يحدث هناك، إضافة إلى بروز ظاهرة جديدة يمكن تسميتها بـ«الجريمة الإعلامية» حيث باتت وسائل الإعلام شريكة في الجريمة.

ولا يستبعد في الفضاء المفتوح، حيث تبث عشرات القنوات التجارية ما تشاء من برامج، أن تقوم قنوات بالاستفادة من إزدهار «بزنس الاختطافات» من خلال بث اختطافات وهمية، أو للاتفاق مع عصابات لتبادل المنافع فتلك تخصها بالخدمة «كليبات الاختطاف». وتقوم القنوات في المقابل بالترويج للعصابة ودعمها إعلامياً لرفع سقف مطالبها أو فديتها، سواء كانت الفدية مالية، أو على شكل أدوار سياسية ومحاصصات وخصوصاً في المرحلة المقبلة.

منذ أن بدأ بعض المجرمين في العراق بدحرجة الرؤوس للابتزاز، يتصاعد القلق من حتمية امتداد العنف في المنطقة التي تعيش الكثير من الحروب السياسية والعقائدية الباردة التي من الممكن أن تسخن في أي لحظة بفعل ما يحدث في العراق.

موضة دحرجة الرؤوس التي قامت بالترويج لها بعض الفضائيات العربية التي تدعي المهنية لم تستغرق وقتاً طويلاً حتى انتقلت، وللأسف، للمملكة العربية السعودية، فتلقفتها فئة من المجرمين لتدحرج بدورها عددا من الرؤوس وتلصق عليها بطاقة الإسلام، والمشهد مرشح للتكرار في دول أخرى، ربما لا تبعد كثيراً عن استديوهات القنوات التي بثت تلك المشاهد! بعدما عجزت عن تصنيف ما يعرض على أنه مادة مفرطة العنف كما كان سيفعل أي اعلام محترم.

من الواضح أننا نستدرج إلى أرض رمال متحركة بفعل الأفعال الشنيعة التي تحدث في العراق ووسائل إعلام لا تبالي بأن تصنع أمجادها فوق بحيرات الدماء، فتارة تبرر العنف من خلال أنصاف مشايخ وأنصاف دعاة، وسياسيين دينيين لا يجيدون سوى الخطابة والتأجيج.

وعلى مستوى آخر، نرى الدول التي تمارس لعبة التذاكي ويهمها فشل التحول في العراق، تجيز لنفسها العبث في العراق كما عبثت وعبث غيرها في لبنان من قبل، ولن تزعجها حرب أهلية تسفك فيها دماء العراقيين تحت شعارات التذاكي والتضليل، وهي تظن أنها بتلك الطريقة تحمي مصالحها بينما تتمادى كثيراً في خلق التوتر والأزمات، وهي تفترض أن استقرار العراق وقيام ديمقراطية وانتخابات حرة سوف يؤثر على أوضاعها وحساباتها الداخلية، بالرغم من أن الإصلاحات هي الضامن الأكبر لاستقرار أي نظام سياسياً واجتماعياً واقتصادياً .

السيناريو الأسوأ للعراق والدول المحيطة به هو سيناريو الكارثة، أي انفجار العنف في العراق، وبالتالي في المنطقة ككل، وخصوصاً في ظل تداخل العوامل السياسية والإجتماعية والدينية بين الدول التي تمتلك حدوداً مشتركة مع العراق، وتعمل في داخلها نفس شبكات الإرهاب الناشطة حالياً في العراق في ذات الوقت، وليس استقرار العراق وتحولة نحو الديمقراطية والتعددية ولو بعد زمن، من هنا يجب أن تكون الدول ذات التاريخ الذي نعرفه جميعاً في لبنان وغيرها صاحبة المصلحة الأكبر في دعم استقرار العراق حتى لا تلقي بنفسها في عين العاصفة.

ها هي الذاكرة العربية تتداعي إلى أحلك لحظاتها، لحظات العنف الأعمى، اللاعبون القدامى في الساحة اللبنانية يبعثون من جديد في الساحة العراقية هذه المرة، لا زلنا في ذات الخندق الواحد مع فكر الإبادة والقتل والتمثيل بالجثث بعد حرقها وكأن لا نهاية لتخلفنا...

* إعلامية كويتية