لجون كيري ولغيره... هل هناك مهمة جديدة؟

TT

احاط جون كيري نفسه بعدد من مسؤولي ادارة الرئيس الاسبق بيل كلينتون والتكنوقراط الذين يشكلون المؤسسة الدائمة للحزب الديمقراطي. إلا أن لهجة حديثه خلال المؤتمر الاخير للحزب الديمقراطي تعتبر مفارقة لنهج كلينتون، وهي اللهجة التي وصفها بعض المراقبين بأنها قومية.

هاجم كيري نظام نقل الوظائف الى دول اخرى تتوفر فيها عمالة اقل تكلفة، وأشار ضمنا الى ان هذه الظاهرة اسفرت عن تدنى الصناعات وتراجع مستويات معيشة الطبقة الوسطى. وقال كيري: «ترى، ماذا يعني الأمر لديف ماكون، وهو عامل في قطاع الصلب التقيته في اوهايو، عندما ترسل وظيفته للخارج، وتشحن معدات المصنع الذي كان يعمل فيه لدولة اخرى ايضا الى جانب وظيفته؟». وبما انه طرح هذا السؤال، فسيكون من الافضل اذا اعطى الناخبين اجابة عندما يطرق هذه القضية مرة اخرى.

وكما يدرك كيري ومستشاروه، فالتجارة تمثل جزءا فقط من التدهور الذي اصاب الصناعة. فخلال الفترة من عام 1970 حتى 2002 تراجع نصيب قطاع الصناعة في اجمالي الناتج القومي من 24 في المائة الى 14 في المائة. إلا ان العجز التجاري في مجال البضائع المصنعة ارتفع حوالي 4 في المائة فقط من اجمالي الناتج المحلي خلال نفس الفترة. وعلى الرغم من ان العجز ازداد بحدة في الآونة الاخيرة، فإن بعض القوى التاريخية تفسر التآكل الذي اصاب الصناعة. فما هي هذه القوى؟

الى ذلك فالمرشح الأكثر تحليا بالأمانة، لا بد أن يسلط الضوء على أمرين: الأول أن الاميركيين يزدادون ثراء باستمرار، وهؤلاء الاثرياء اعتادوا إنفاق اموال اقل على البضائع وأكثر على الخدمات. ونتيجة لذلك ظلت تركيبة الانتاج تتسم بالتغير والتحول. والثاني ارتفاع انتاجية التصنيع بصورة سريعة، بل اسرع من معدل نمو الاقتصاد. وتفسر هذه الانتاجية السبب وراء الاجور المجزية للوظائف. ولكن ذلك يتيح أيضا للشركات تلبية حاجة المستهلك المحدودة بعدد اقل من العمال، لدرجة أن فرص العمل في التصنيع هبطت بوتيرة أسرع من حصة التصنيع في اجمالي الناتج المحلي.

ولذا فان ما يتعين على كيري قوله هو: «أيها المواطنون، وعدت في خطابي الذي القيته في المؤتمر بتنشيط التصنيع. ولكن الهبوط الطويل المدى لهذا القطاع هو الجانب الآخر من تقدمنا الاقتصادي. ويتمتع عمال التصنيع عندنا بالانتاجية المدهشة، وهذا هو سبب حصولهم على أجور عالية كما أنه سبب قلة عددهم).

وبينما كان كيري يلاحق الموضوع تمكن من تصحيح الانطباع بأن الآلام التي يشعر بها عامل الفولاذ من أوهايو على وشك أن تحاصر ملايين العمال الآخرين.

ويفسر كتاب «لماذا تفعل العولمة فعلها» لمارتن وولف المعلق الاقتصادي بصحيفة «الفايننشيال تايمز» الخوف المفرط من العمال الأجانب، وفيه أن أجور العمال الأجانب قد تكون رخيصة، فالصينيون، على سبيل المثال، كلفوا متوسطا بلغ 730 دولارا سنويا في النصف الثاني من التسعينات، مقابل 29 ألف دولار كمتوسط للعامل الأميركي. ولكن العامل الصيني في هذه الفترة أضاف 2900 دولار فقط من القيمة سنويا، مقابل 81 الف دولار للعامل الأميركي الذي يتمتع بتعليم أفضل قدرة على ادارة أفضل، وبالتأهيل المهني الذي مكنه من العمل تحت رأسمال ثابت تزيد قيمته 25 مرة على قيمة التكنولوجيا التي يستخدمها نظراؤه الصينيون والذين ستتقلص العوائق التي تواجهها بلادهم مستقبلا، فيما سترتفع الأجور بالصين أيضا لتعوض هذا الامتياز. ولكن إبقاء هذه التكاليف يعني رفض التقنية الحديثة المعتمدة على عدد أكبر من العمال غير المهرة.

والشاهد إن آراء كيري في هذه المسائل ازدادت أهمية لأن مفاوضات التجارة العالمية التي انطلقت قبل 3 سنوات حققت تجاوزا كبيرا خلال عطلة الأسبوع الماضي ليصبح لدى الرئيس الأميركي الجديد مهمة تتمثل في إنهاء هذه المفاوضات، ودفع النتائج من خلال الكونغرس المعروف بشكوكه الكثيرة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»