صرخة أفغانية.. أرفعوا أيديكم عنا.. دعونا نصوت..!

TT

مع تحرك أفغانستان صوب أول انتخاباتها الرئاسية المحدد إجراؤها يوم 9 أكتوبر، ارتفعت أصوات دولية عديدة تطالب بإلغائها أو تأجيلها. وإذ كانت هذه المطالب من بين الأوساط المختصة في تقديم الإعانة فإنها الآن قد انتشرت لتضم دوائر صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

والى ذلك يخشى بعض الأوروبيين من أن تعطي صور الأفغان، خصوصا النساء وهن يذهبن إلى صناديق الاقتراع، انطباعا بأن أفغانستان هي قصة نجاح للرئيس جورج دبليو بوش، وهذا ما سيساعده في انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الاول) المقبل. وهم يريدون أن يشاهد الأميركيون صورة أخرى لأفغانستان يسودها التشويه والخراب، كبرهان على أن بوش كان مخطئا في تحريره أفغانستان، مثلما هو مخطئ في تحرير العراق. وذلك أمر لا يثير الاستغراب أن يطالب أولئك الذين يرون الانتخابات الأفغانية بأنها نسخة جديدة من «مفاجأة أكتوبر» الأسطورية بتأجيلها حتى انتهاء الانتخابات الأميركية.

وبغض النظر عما إذا كان استراتيجيو بوش قد اختاروا تاريخ الانتخابات الأفغانية لأغراض انتخابية تخصهم، فإن ما يهم هو أن على واشنطن التمسك بجدول زمني يتمتع بإجماع كامل على تنفيذه من قبل الشعب الأفغاني. والى ما قبل شهر واحد، كان خصوم الانتخابات الأفغانية يزعمون أن إجراءها سيكون مستحيلا لأن بقايا طالبان والقاعدة لن تسمح للناخبين بالتسجيل. وتوقع البعض أن 10 في المائة من الأفغان المؤهلين للتصويت سيتمكنون من الحصول على بطاقات الاقتراع قبل أكتوبر. لكن اتضح الآن، وحسب الأرقام التي نشرها فريق الأمم المتحدة الذي يساعد في تنظيم الانتخابات، أن هناك ما يقرب من 90 في المائة من المؤهلين للاقتراع قد تم تسجيلهم، وربما تصل نسبة المسجلين في يوم الاقتراع إلى 100 في المائة.

في المقابل، هناك ذريعة أخرى تطرح لصالح إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، وتقول بأن الأفغان غير مهيئين للديمقراطية. ومثل هذا الزعم غامض جدا مما يستوجب التحقق من صحته بطريقة جادة، والتساؤل حول لماذا اعتبار الأفغان غير مهيئين للانتخابات؟

صحيح أن الأغلبية من الأفغان هم فقراء وأميون. لكن هل يحتاج المرء أن يكون غنيا ومتعلما بشكل جيد كي يشارك في صياغة القرارات التي تهمه؟ وعلى سبيل المثال، هناك أغلبية من الناخبين في الهند وبنغلاديش في حالة فقر وأمية. لكن هذا لا يمنع أي من البلدين أن يقوما بانتخابات منتظمة.

ومع ذلك فهناك حجة أخرى تقول إن السياسة الأفغانية قد تم السيطرة عليها من قبل «سادة الحروب» الذين يجعل وجودهم مع الانتخابات بلا معنى. ومع ذلك أيضا فصيغة «سيد الحروب» استخدمت في غير مكانها ضمن السياق السياسي الأفغاني الحالي. فمنذ أواخر السبعينات وحتى التحرير عام 2002، لم تكن لأفغانستان أي حياة سياسية طبيعية. إنه بلد في حالة حرب، أولا ضد الغزاة السوفييت، ثم بين الجماعات المتقاتلة سعيا للاستيلاء على السلطة، ثم أخيرا ضد رجال طالبان وحليفيهم باكستان والإرهابيين العرب. ونتيجة لذلك فإن الزعماء الذين برزوا من تلك السنوات لديهم خلفية حربية. فمن هم «سادة الحروب» الذين نسمع بهم؟

هناك الجنرال محمد قاسم فهيم زعيم أقلية الطاجيك، والذي يزعم أنه وريث أحمد شاه مسعود السياسي أحد أبطال أفغانستان في الحرب ضد السوفييت. ويشغل فهيم حاليا منصب نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع. وحتى الأسبوع الماضي كان كل شخص يتوقع أن يترشح كي يكون نائبا للرئيس إلى جانب الرئيس حميد كرزاي المنتمي إلى البشتون والمتمتع بالدعم الأميركي. ومع ذلك ففي الأسبوع الماضي قرر كرزاي إقصاء فهيم من ترشيحه إلى جانبه، ووضع بدلا من ذلك محمد ضياء مسعود أخو أحمد شاه مسعود ليشاركه في البطاقة الانتخابية كمرشح لمنصب نائب الرئيس.

ونتيجة لذلك، بادر فهيم إلى طرح نفسه مرشحا للرئاسة، واختار معه لمرشح نائب الرئيس وزير التعليم الطاجيكي يونس قانوني. وقانوني مدعوم من قبل عدة قادة طاجيكيين بارزين من ضمنهم وزير الخارجية عبد الله زمرياني. وتصبح الصورة الكلية أنه وبوجود كرزاي المرشح البشتوني، وبوجود قيادي طاجيكي في الساحة هو يونس قانوني، لم يعد بالأمر الغريب إذا ما بادر زعماء من اثنيات أخرى من الأوزبك والهزارا لترشيح أنفسهم. فعن الأوزبك ترشح عبد الرشيد دوستم الذي يمكن وصفه بأنه «سيد حروب» لأنه كان قائدا لمليشيا تحت الحكم الشيوعي قبل انفصاله عنه كي يقود قواته ضده. لكن دوستم هو زعيم أكبر حزب سياسي في عدد من المناطق الشمالية في أفغانستان.

وأخيرا سيقوم الهزارا الشيعة، الذين هم من أصل مغولي ويتكلمون الفارسية، بترشيح محمد محقق أبنهم وهو «سيد حروب» آخر.

ودعونا لا ننسى أن كرزاي نفسه يمكن وصفه بأنه «سيد حروب» أيضا. فهو الآخر كان قائدا لمنظمة مقاتلة حاربت الشيوعيين المدعومين من السوفييت. وقبل التحرير لم يتمكن من كسب تجربة سياسية طبيعية بسبب غياب أي حياة سياسية طبيعية في أفغانستان. وكل واحد يعرف أنه رشح رئيسا كحل وسط بين القوات الأميركية و«سادة الحروب» الأفغان في الفترة المباشرة التي أعقبت سقوط نظام طالبان. كل ذلك لا يقلل من أهمية إنجازات كرزاي والقاعدة الشعبية التي تمكن من بنائها في بعض أجزاء أفغانستان. كذلك يجب عدم اعتبار ترشيح كل فئة اثنية أفغانية للمنصب كعامل سلبي. فالانتخابات الرئاسية الأفغانية تجري على طريقة النموذج الفرنسي في جولتين. ففي حالة عدم فوز أي مرشح في الجولة الأولى بأكثر من 50 في المائة من الأصوات ستجري الجولة الثانية بعد أسبوعين. لذلك فإنه من الطبيعي أن تكون كل الفئات الاثنية راغبة في إظهار قوتها في الجولة الانتخابية الأولى ثم تسعى إلى تحقيق التنازلات من المرشحين اللذين سيخوضان الجولة الثانية. وهذا يعني أنه ليس هناك أي مرشح قادر على الفوز بدون جذب بعض الأصوات من الجماعات الاثنية الأخرى.

وهناك ذريعة أخرى يطرحها البعض الذين يريدون إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، وهي أن إيران وباكستان تريدان التأثير على نتائجها، وهذا وبدون شك موضوع مثير للقلق، فوفق قانون الانتخابات الذي تمت صياغته في بداية هذا العام، يكون لللاجئين الأفغان في باكستان وإيران الحق في المشاركة بانتخابات أكتوبر الرئاسية، علما أن عدد اللاجئين في إيران حوالي 1.2 مليون شخص، ومن بين هؤلاء يحق لما يقرب من نصف مليون فرد التصويت. ومن الممكن أن يقوم وكلاء إيرانيون باستخدام النقود أو الترهيب لتشجيع الناخبين الأفغان المقيمين في مخيمات اللاجئين كي يعطوا أصواتهم للمرشح محقق الذي تفضله إيران. لكن محقق المنتمي للهزارا الذين لا يشكلون أكثر من 10 في المائة من عدد سكان أفغانستان أصغر من أن يكون قادرا على الفوز بالرئاسة حتى لو وقع تزوير على يد الإيرانيين.

مشكلة اللاجئين الأفغان في باكستان أكثر تعقيدا. ففي إيران يمتلك كل اللاجئين الأفغان بطاقات تعريف شخصية صادرة عن السلطات الإيرانية، وهي ولهذا السبب يكون من السهل لطهران تشخيصها. أما في باكستان فاللاجئون الأفغان لا يمتلكون أوراقا رسمية. ولذلك فمن السهل على الباكستانيين أن يضخموا من عدد الناخبين الأفغان داخل مخيمات اللاجئين عن طريق إرسال عدد أكبر من الباكستانيين البشتون لمراكز الاقتراع التي تديرها الأمم المتحدة. ومع غياب أي فرق بين البشتون الباكستانيين والأفغان فإن من العسير على فريق الأمم المتحدة منع تزوير من هذا النوع.

ويبقى السؤال المطروح رغم كل شيء: من سيستفيد من تزوير تصويت الناخبين الأفغان في باكستان؟ الجواب هو: كرزاي المرشح البشتوني الأبرز، ولذلك فإن أي عمل تزويري في باكستان قابل على إلحاق الأذى بحظوظ المرشحين الآخرين المنتمين إلى اثنيات أخرى خصوصا قانوني ودوستم. كذلك فإن التزوير في باكستان، إن حدث، فإنه سيحذف التزوير الذي يقع في إيران. وأكثر ما تخشاه بقايا طالبان والقاعدة هو الانتخابات الحرة في أفغانستان. لهذا السبب فإنهما سيعملان كل ما بوسعهما لعرقلة إجرائها أو تأجيلها. ولذلك فعلى المجتمع الدولي أن يتوثق من أن الإرهابيين لا ينجحون في عرقلة العملية الانتخابية. وهذا يعني نشر 10 آلاف عسكري وعد الناتو بتوفيرها قبل ستة أشهر. هناك قدر كبير من الحيل السياسية التي تجري حاليا ويشارك في لعبها العديد من القوة المعنية بأفغانستان. ومع ذلك فالسماح للأفغان بإحساس بأنهم مسيطرون على مصائرهم أمر أساسي.

وصحيح أن أول انتخابات في أفغانستان لن تكون نظيفة وحرة تماما مثلما هي الحال في سويسرا، لكنها لن تكون فاترة. فدعوا الأفغان يصوتون.