القواقع الإسلامية في الغرب..والحاجة إلى تجديد التفكير الديني

TT

توجهت السيدة (نويمان) الألمانية المسلمة مع زوجها إلى مؤتمر يضم المسلمين في مدينة آخن Aachen))، وعندما وصلت تقدمت إليها سيدة عربية فطلبت منها الانفصال عن زوجها والانضمام إلى قافلة النساء في مؤخرة الحفل مع الأطفال. فاعترضت السيدة الألمانية فورا وقالت: أنا مسلمة والحمد لله، وأنا جالسة إلى جانب زوجي في صالة المحاضرات.

وإذا كانت هذه الحركة من السيدة الألمانية (المسلمة) قد نجحت، فإن سيدة مسلمة من كندا توجهت إلى لقاء المسلمين في أمريكا، فتم اعتقالها من البوليس الأمريكي باستدعاء من منظمي الحفل، ثم (زربت) مع الأطفال في المؤخرة حيث الضجيج.

وهذه القصص تروي الفارق بين الدين والعادات. وأن المسلمين حينما يعيشون في الغرب ينقلون معهم أمراضهم فيعيشون في شرانق يغزلونها من أوهامهم.

وما لم يتم الفصل بين ما هو دين وما هو تراث لا علاقة له بالدين فلن يحصل أي تجديد في الفكر الديني. وما لم ينظر إلى الإحكام في ضوء تاريخي فسوف نكذب ونغلط على الله.

يعتبر (جيفري لانج) أستاذ الرياضيات الأمريكي المسلم في كتابه (حتى الملائكة تسأل؟) أن مصير الإسلام في الغرب متعلق بالإجابة عن هذه التحديات؟

والمشكلة ليست في (القرآن) بل في (المسلمين). ومشكلة المبادئ أتباعها. وعندما يتعطل الفهم عندهم فلن يستفيدوا من أعظم الآيات التي يمرون عليها وهم عنها معرضون.

وفي قصة (ابن لبيد) عبرة كبيرة، فهذا الصحابي الجليل عندما سمع يوما من رسول الله ص يروي قصة (ذهاب العلم)، لم يخطر في باله أنه حاصل طالما كان كل جيل يدرس القرآن للجيل الذي بعده؟ والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل له أتكذبني وأنا رسول الله أو يرد عليه (بنص) قرآني بل أخذ بيده إلى الواقع المعاش فقال له: «لقد ظننتك أفقه من بالمدينة، أو ليس اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء؟».

ونحن هنا أمام شيء جديد، وهو عدم الاستفادة من الكتاب لفقدان شيء آخر هو (العلم)، والدخول على آيات القرآن بدون (أدوات معرفية) من العلوم الإنسانية المساعدة، مثل الأمي الذي يدخل صيدلية عظيمة فيعطي قرص أسبرين لمريض قرحة فيقتله.

ويقول (غراسيان) «إن الحقيقة ترى بصورة عامة ونادرا ما تسمع». والواقع يبقى (المرجع) عند كل خلاف. والانفكاك بين النص والواقع يحرم من الاستفادة من أقدس النصوص. ولا يصبح الطبيب بارعا إلا في السباحة المستمرة بين النظرية والممارسة. و(آينشتاين) يرى أن كشف الحقيقة مرة واحدة غير كاف. فالحقيقة تشبه تمثال الرخام المنتصب في الصحراء والمهدد بالدفن في كل لحظة من زوابع الغبار، وما يحفظه هو النظافة المستمرة من أيدي دؤوبة لا تعرف الكلل فيلتمع تحت ضوء الشمس؟ وهذه الظاهرة هي مرض (أهل الكتاب) والمسلمون هم أهل آخر كتاب. ويمكن أن يصابوا بكل أمراض أهل الكتاب السابقة فلا يستفيدوا من أي نص.

وفي المقابلة التي تمت بين (محمد إقبال) و(موسوليني) اعتبر إقبال أن القرآن منبع للطاقة لم يستهلك فيما يشبه العناصر النادرة المشعة في الطبيعة. وهذا يعني أن الإسلام سوف يبقى يمد البشرية بأفكار رائدة. والمؤرخ البريطاني توينبي اعتبر أن فكرة تحريم الخمر ترميز لأحياء العقل ودواء لأمراض الحضارة.

وفي القرآن (نظم) خاص أو (كوانتوم) قرآني حوّم حوله الكثيرون في محاولة استنطاق منطقه الخاص. ولعل كتاب (محمد شحرور) الأخير عن القرآن والكتاب محاولة لاكتشاف هذا النظم الداخلي. ولكن مشكلته أنه يولد المعاني من الألفاظ مثل حاوي السيرك الذي يخرج أرانبا بيضاء من قبعات سوداء. واللفظ يعطيك ما تشاء من المعاني. ولعبة اللغة لا تنتهي كما يقول الفيلسوف (فيتجنشتاين). وما لم ندخل حزمة من (الأدوات المعرفية)، فإن لعبة اللغة مضللة أكثر من لعبة (غو) على لوحة الشطرنج الصيني بـ361 مربعا و52 حجرا لكل طرف؟

واللغة لا يمكن أن تدلنا على مكان (قوم عاد) لولا الستاليت الفضائي. كما أن كل علوم اللغة لا يمكن أن تعطينا فكرة عن (آدم) لولا علم الانثروبولوجيا؟ ولم يكن فهم دلالة كلمة (الملك) في قصة يوسف لولا المعرفة التاريخية عن الهكسوس. فهذا هو الفرق بين (لعبة اللغة) و(العلم).

واتصل بي أخ يخبرني عن كتاب تفسير جديد للقرآن انتهى بجهد 13 سنة مصبوب في 700 ألف صفحة وهو عمل فلكي ولكن السؤال هو: هل سيكرر عمل الأقدمين أم أن هناك اختراق نوعي؟

والقرآن يمتاز بأنه كتاب (قوانين) وله ثلاث طرق لعرض الحقيقة: فإما دخل على الحدث فانتزع منه الاسم والمكان والزمان وأدخله إلى (معمل المطلق). تأمل قوله «أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها؟». وعندما يقول «ألم تر» يحاول وصل الصور ببعض مما يعطي أداة جديدة لفهم الحقيقة مثل الفيلم الذي يعرض باتصال الشرائح وحركتها بسرعة معينة. أو بطريقة (التجميع Puzzel) فيمكن جمع آيات الشهيد والشهادة مثلا في أكثر من ثمانين موضعا لنكتشف أن الشهيد ليس معناه من يقتل بل من يحضر ويعترف ويدلي بشهادته في محكمة؟ وفهم القرآن على هذه الصورة تعطيه تحليقا فوق الزمن.

وتطوير العلوم الجديدة لا يشترط أن يأخذ عناوين قديمة مثل (التفسير) . فهذه كلها علوم أبدعها علماؤنا من قبل ولا يشترط أن نتقيد بها بل نستأنس بها. وكلمة (عقيدة) ليس لها وجود في القرآن، ومع ذلك طور علماؤنا كتبا لا تنتهي حول العقيدة؟ وهذا يفتح أعيننا على مشكلة تطوير الفكر الديني برمته، والحاجة لتطوير علوم جديدة مثل (الدراسات القرآنية التاريخية المقارنة) أو (البنيوية في القرآن).

وكما كان لكل فن (أدوات) للدخول على الحقل، مثل المطرقة للحداد والمشرط للطبيب، كذلك الحال بالنسبة للمعرفة الإنسانية، والحاجة الآن قائمة لأفكار جديدة تشكل (مفاتيح) دخول لفهم القرآن.

وهناك ما لا يقل عن عشرين ألف تفسير كتب حول القرآن تكرر بعضها بعضا، ولا تشبه كتب التفسير الحديثة مثل القاسمي ورشيد رضا والنظر في تفسير كلمة (السائحات) تعطيك فكرة عن الفوارق؟ فكل الفكر القديم لم يكن في مقدوره تصور المرأة تمارس السياحة؟

وهذه الآيات (المفتاحية) تتناثر في القرآن مثل «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق؟». أو «يزيد في الخلق ما يشاء» .أو «ويخلق ما لا تعلمون». أو «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبن لهم أنه الحق» .أو قول الله بعد تساؤل الملائكة عن سر خلق آدم المفسد القاتل «قال: إني أعلم ما لا تعلمون؟». فكيف بدأت رحلة الحياة عند الكائنات قبل نصف مليار سنة؟ وكيف نفهم أن الكون لوحة لم ينته رسمها؟ وما هو علم الله مقابل ظن الملائكة؟

و(تجديد التفكير الديني) هو كتاب وضعه الفيلسوف (محمد إقبال) ، وهو مشحون بأفكار (انقلابية) مثل فكرة (ختم النبوة). فهو يرى أن النبوة ختمت لأن العقل الإنساني نضج وتجاوز مرحلة الأحكام المسبقة، وأصبح بإمكانه أن يمشي بقوته الذاتية دون عربة أطفال؟ وهذه قفزة في التفكير تجتمع مع آية «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم» فهذا هو الوحي الجديد. والوحي كما يراه إقبال ظاهرة كونية يمارسها النحل والشجر. وأوحى ربك إلى النحل. وآيات الآفاق والأنفس هي الوحي الجديد.