هل يعيد التاريخ نفسه

TT

يكرر المسؤولون في بغداد، الامريكيون منهم والعراقيون، بأن الكثير من الاعمال العنفية الجارية تعود الى أيادٍ اجنبية. اذا سلمنا بذلك، فانني لا اجد مثالا يؤيد هذا الادعاء كالتفجيرات التي طالت بعض الكنائس في بغداد والموصل يوم الأحد. لا يحمل العراقيون اي احقاد ضد المسيحيين، بل العكس هو الصحيح. يحترمونهم ويحبونهم. تجد العراقي يتباهى بصديقه المسيحي ويتوق لأكل الكبة في بيته ومشاركته في اعياده ويأتمنه اكثر مما يأتمن اخاه المسلم، ويفضل تعليم ابنائه وبناته في المدارس المسيحية، كما فعل والدي وأخي احسان. وتتباهى المرأة عندما تقول انها درست على يد الراهبات، وربما تطالب بمهر اعلى من مهر اختها التي تخرجت من المدارس الرسمية. من يدري، ربما وضعت القنبلة امام مدرسة الراهبات فتاة تخرجت من مدارس الحكومة غيرة وحسدا.

قلت مرارا بأن الدين لا يلعب في العراق ذلك الدور الذي يلعبه في حياة الشعوب الاسلامية الاخرى، تجدهم رغم جنونهم اقرب للعقلانية والعلمانية من غيرهم في المنطقة. لوح الكثيرون الى احتمال وقوع حرب اهلية بين الطوائف والقوميات. نفيت ذلك واثبتت الايام صحة رأيي. ولهذا فعندما وقعت هذه الانفجارات استغربت. لا استطيع ان اتصور عراقيا يرمي قنبلة على كنيسة. وعندما يطلق عراقي الرصاص عليك لا يسألك عن هويتك ودينك كما كانوا يفعلون في لبنان ايام الحرب الاهلية. فما هو السر؟

جرت العمليات بتوقيت وتنسيق يستبعد عزوها الى مجرد فرد او افراد موتورين. لا بد من ايادٍ منظمة وراءها. ولكن ايا من الفصائل الاسلامية لم تدع بمسؤوليتها عنها. فمن اذن؟ اعرب كل المسلمين عن استيائهم مما جرى. ولكنني بعد ايام قليلة، سمعت قسا كالدانيا يتكلم من الـ «بي. بي. سي» بلهجة اميركية عن اضطهاد المسيحيين في العراق. ادعى بان هذه التفجيرات ليست شيئا جديدا، العبادات المسيحية كانت مقيدة حتى في زمن صدام والمسلمون يهاجمون دكاكين المسيحيين، (لم يذكر انها على قلتها تعلقت بدكاكين بيع الخمور). المطلوب اعطاء نصارى العراق استقلالا ذاتيا مشابها لكردستان. القس الفاضل في طريقه الآن لمقابلة المسؤولين في واشنطن لهذا الغرض. وفتحت وسائل الاعلام الغربية صدرها له.

لفت نظري هذا التزامن والتنظيم الدقيق بين التفجيرات في الداخل والحملة الاعلامية في الخارج. التفت لذلك ثم جرتني الالتفاتة الى شيء مشابه لفت نظري في الخمسينات في1951، وقعت تفجيرات مشابهة امام الكنائس اليهودية في بغداد صاحبتها حملة اعلامية عن اضطهاد اليهود في العراق. قبض على المسؤولين عندئذ وتبين انهم جاؤوا من المخابرات الاسرائيلية لشن هذه الحملة في بغداد.

هل يمكن ربط هذه التفجيرات الاخيرة بمخططات اسرائيلية؟ هل يئست اسرائيل من الهيمنة على العراق فعمدت (زعيب خراب اللعيب) الى المضي بنسف الكيان العراقي بمزيد من التشقق والتشرذم؟

ام هي يا ترى عملية اعتمدتها مجموعة من المسيحيين لارغام الدول الغربية لفتح ابوابها للمسيحيين اللاجئين اليها؟ ام هي مجرد عَتَلَة لتعميق الفوضى في البلاد.

مهما كان الامر، فالموضوع يرتبط بتكتيك سياسي لا علاقة له بموقف المسلمين او الادعاء باضطهادهم للمسيحيين.