شجعان بلا جوائز

TT

في حفل توزيع جوائز الكتاب البريطاني التي غطت عشرات الموضوعات بعشرات الجوائز وضعت يدي على خدي بين الملأ المبتهج بثقافته وكتبه وسرحت في أولئك الشجعان أدباء العالم العربي الذين لا تشجعهم الدولة ولا المؤسسات، ولا يقدرهم المجتمع ومع ذلك يواصلون حمل ذلك الهم النبيل ويكدحون في مهن كثيرة ليجمعوا منها قروشا قليلة يدفعونها الى ناشر نصاب لا يعيد لهم منها شيئا حتى وان نجح تسويق الكتاب.

هنا في الغرب ما ان ينجح وينتشر للكاتب كتاب واحد حتى يعيش معززا مكرما موفور الفلوس والمكانة الى آخر الدهر، وفي العالم العربي لا يستطيع الكاتب ان يعيش من كتبه وان نجحت بل تحكم عليه الظروف بأن يظل «ملطشة» للطالع والنازل لأن تلك الظروف لا تساعد الكاتب على الاحتراف المهني الا ان كان منجما أو كاتب طبيخ أو متملقا لوذعيا يحتمي بأحد الاثرياء أو السياسيين المتنفذين ويقضي بقية عمره في مديح انجازاته العصماء.

لقد اعطيت في ذلك الحفل الذي حرك هذه الشجون جوائز لكل أنواع الكتب من السيرة الذاتية والرحلات الى الرواية والتحقيق والرياضة والجريمة وجميع تلك الجوائز ليست من مصدر واحد، بل من عدة مؤسسات اعلامية واقتصادية وسياحية وثقافية تدرك ان من واجبها المشاركة السنوية في ذلك الحدث الثقافي المهم ومع الواجب تستفيد ويتردد اسمها في وسائل الاعلام وتكسب مصداقية واحتراما ببضعة آلاف من الجنيهات.

ان الكاتب الغربي مجرد ان يثبت موهبته ويحترف، يجد الوكيل الادبي الذي يتخاطب نيابة عنه مع دوائر النشر، ويجد مؤسسة العلاقات العامة التي تروج له شخصيته وأعماله ثم تأتي وسائل الاعلام التي تزيد من انتشاره ومبيعات كتبه وبعدهم جميعا يأتي صاحب الجائزة ليشكر الكاتب نيابة عن المجتمع ويمد له عونا اضافيا يساعده على التفرغ والمزيد من التجويد.

أما الكاتب العربي فإن مهنة الوكيل الادبي غير موجودة عنده ولا يعرفها اصلا ومهنة النشر التي سيضطر للتعامل معها ليست فوق الشبهات وآخر ما تفكر فيه حقوقه ومصلحته، وكلما نجح بجهده الشخصي زادت أعباؤه لأن النقلة المعنوية في الشهرة لا تقابلها زيادة مادية من مبيع الكتب فكل الناشرين العرب ـ أو لنقل معظمهم ـ يؤكدون ان الكتب لا تربح ومع ذلك يستمرون في المهنة الأمر الذي يدفعك الى الاعتقاد بأنهم اما ملائكة مجندة لخدمة الثقافة العربية، وما هم كذلك، أو انهم يربحون ويكذبون يساعدهم في ذلك غياب قوانين الملكية الفكرية ومؤسسات التحقق من الانتشار.

ان الكاتب العربي الذي يقتطع من لقمة عيشه لينشر ويواصل الكتابة في مناخ معاد للثقافة والكتاب يستحق كل آيات الاحترام والتبجيل، فالكتابة عندنا ليست مهنة، بل أعمال شاقة غير مأجورة وغالبا مؤذية وجلابة متاعب وكلما زادت جرأتها واتقانها لا تجلب لصاحبها الجوائز كما يحصل في بقية بلاد الله الواسعة انما تعرض مؤلفها للنقمة الاجتماعية والغضبة السياسية بكل ما يتبع ذلك من رصد، وعزل ومنغصات ومطاردات، ومحاولات اسكات بكاتم الصوت وكاتم النفس وكل ما في ايدي اعداء الكتابة والكتاب من أساليب مجربة وأدوات ناجعة وناجحة لوأد كل ابداع اصيل.