تصريحات يعلون عن الجولان: الطبل في دمشق والعرس في طهران

TT

مع تصريح رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون في مقابلة أجرتها معه جريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بمناسبة مرور سنتين على توليه منصبه الحالي، بأنه من حيث الاعتبارات العسكرية، يمكن التوصل إلى اتفاق مع سورية عبر التنازل عن هضبة الجولان، لا يكون يعلون قد قدم شيئاً جديداً; فهو قد أقر بواقعة معروفة عسكرياً وتطوي العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تقوم على الامتداد الجغرافي في أراضي الجوار، للحفاظ على مساحة أمنية باعتيار أن إسرائيل تعيش في (كوريدو جغرافي). فالحقائق أثبتت أنه مع حرب الصواريخ التي أصبحت لغة من لغات العمل العسكري لم تعد للجغرافيا أهمية إلا في العمل العسكري التقليدي من حيث المناورة واحتلال الأرض.

وبالتالي على المستوى الأمني ـ العسكري، ليس فيما قاله يعلون أية اضافة إلى ما بات معروفاً، خصوصاً وأنه قد ربط ذلك بما هو عسكري وليس بما هو سياسي فهو تجنب ذلك بالقول: «إذا كنت تسألني من الناحية النظرية عن إمكانية تحقيق اتفاق مع سورية يكون متوازنا بالنسبة للطرفين، فرأيي الشخصي هو أنه من حيث النظرة العسكرية للأمور يمكن التوصل إلى اتفاق عبر التنازل عن هضبة الجولان». وبالتالي فهو قد أقر بأن ما يقوله هو إقرار حقيقة عسكرية وليس سياسية.

المؤكد أن ما طرحه يعلون يهدف عملياً إلى رمي بالون اختبار في وجه سورية، لكنه عملياً يرسم تكتيكاً لا يعني سورية إنما يعني طهران، فالتقدير الأولي أن «الطبل في دمشق والعرس في طهران»; فالإسرائيليون يدعون أنهم (عسكرياً وليس سياسياً) يريدون السلام، كي يهيئوا لمناخ يزعمون به أنهم مسالمون كي يقوموا بضربة عسكرية الى المفاعل النووي الإيراني باتوا يهيئون لها عبر عدد كبير من التصريحات الأميركية المزدحمة مع تخوفات إسرائيلية والدفع بالردع عبر الإعلان عن تجربة إسرائيلية ـ أميركية للصاروخ أرو 2 المضاد للصواريخ، ردت عليها إيران بإطلاق صاروخ شهاب .4

وبين هذا وذاك من تصريحات وتجارب استعراضية مهددة ورادعة، وذهاب إلى مجلس الأمن قريباً، تبدو التحضيرات متسارعة لضربة لإيران، وليس إطلاق تصريحات يعلون الملتبسة سلمياً إلا محاولة لإظهار أن الإسرائيليين يريدون السلام. ولهذا فهم يضربون المفاعل النووي الإيراني طلباً لأمنهم وتهيئة للسلام!.

لا توجد في تصريحات يعلون أهمية إضافية فهو يقول: إن الجيش الإسرائيلي قادر على حماية الحدود مع سورية، مضيفـا أن الأمر صحيح بالنسبة لأي قرار تتخذه المستويات السياسية في إسرائيل; أي أنه رهن بقرار سياسي بالسلام لا يزال محتجزاً.

الخطة بدأت مع قيام أوساط محافظة مقربة من الإدارة الأميركية بتحويل الأنظار باتجاه ايران، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، بالقول بأن بوش سيعمل في حال فوزه بولاية ثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران، واطاحة النظام الحاكم في طهران، في وقت تحدثت أنباء صحافية أميركية عن توصل لجنة تحقيق أميركية إلى وجود علاقة بين ايران وهجمات أيلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن، وهي الأسطوانة المألوفة في شحن المجتمع الأميركي وتهيئته باتجاه عمل عسكري، ليس بالضرورة عبر الآلة العسكرية الأميركية، إنما عبر الآلة العسكرية الإسرائيلية.

وحيث كان الرئيس بوش قد تحدث عن سعي واشنطن إلى التحقق من تورط إيران في هجمات 11 أيلول، وجاء كلامه غداة إعلان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الهجمات «سي آي اي» بالنيابة جون ماكلولين أن ثمانية من خاطفي الطائرات الذين نفذوا الاعتداءات مروا عبر ايران. وعلى التوازي أثار وكيل وزارة الخارجية الاميركية لشؤون الحد من التسلح جون بولتون مسألة توقيت إحالة الملف النووي الايراني على مجلس الأمن خلال زيارته للندن نهاية شهر تموز (اب).

وعلى التوازي دخلت إسرائيل في المعادلة، وأفاد التقدير الاستخباراتي السنوي لأجهزة الأمن الإسرائيلية، أن إسرائيل تجاوزت خطر التهديد التقليدي، وباتت تواجه الخطر غير التقليدي المتمثل في التسلح النووي الإيراني، والكيميائي السوري، وذلك في ربط يقصد منه التهيئة لتوسيع ساحة العمليات إلى سورية، إذا ما كان للهجوم على إيران من نتائج مباشرة على الاستقرار الأمني في جنوب لبنان، حيث عرض التقرير في اجتماع حضره رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، وحكومته. وكان للإعلان عن ذلك ما يوحي بأن إسرائيل تريد أن تحدد سلفاً ردود الفعل.

إذ رأى التقرير أن التهديد المركزي، هو الآن التهديد غير التقليدي; وعلى رأسه يوجد الجهد النووي الإيراني، وصواريخ شهاب الإيرانية المتطورة، والرؤوس المتفجرة غير التقليدية (الكيميائية وربما البيولوجية ايضا) في سورية وخطر وصول مثل هذا السلاح إلى أيدي حزب الله. ويقدر التقرير أن إيران ستمتلك قدرات نووية خلال ثلاث سنوات.

المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى حد أن دعا النواب من الليكود ومن العمل، الذين هم اعضاء في لجنة الخارجية والأمن في 22/7/2004 إلى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية قبل أن يكون قد فات الآوان. وقال النائب افرايم سنيه من حزب العمل إن «اسرائيل لا يمكنها أن تسلم بسلاح نووي في يد سلطة إسلامية مجنونة. واذا واظبت الأسرة الدولية على الإهمال حيال التهديد الايراني، فسيتعين على إسرائيل التفكير في خطواتها، وبسرعة». والمقصود هنا القيام بعمل عسكري سريع لن يتجاوز شهرين أي قبل الانتخابات الأميركية.

أما زميله في لجنة الخارجية والأمن النائب إيهود ياتوم من الليكود فقد صرح بحزم أشد حتى من ذلك، اذ قال: «يجب تدمير المنشآت النووية في ايران تماما مثلما فعلنا في الماضي بالمفاعل العراقي»، وهو يشغل أيضا منصب عضو اللجنة الفرعية للخدمات السرية. وأضاف: «يجب التطلع الى الوصول الى هذه القدرة، لضرب وتدمير كل قدرة نووية من شأنها أن تكون موجهة ضد دولة اسرائيل».

أتى هذا على خلفية نقاش كان قد جرى أواخر شهر تموز في لجنة الخارجية والأمن كشف فيه رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد يوسي كوبرفاسر بأن «إيران قد أعفت نفسها من الالتزامات للأوروبيين في موضوع التنمية النووية». غير أنه كان هناك أيضا نواب يحذرون من عملية وقائية اسرائيلية.

كما أن النائب ران كوهين من حزب ميرتس قد أبدى اعتقاده بأن «إيران هي مشكلة العالم. وعملية اسرائيلية مباشرة ضد التسلح الايراني بالنووي لن تؤدي إلا إلى امتناع الأوروبيين عن التدخل».

هذا السجال يعكس أن العملية قد باتت جاهزة خصوصاً مع توافر معطيات تتحدث عن جاهزية الخطط بمساعدة لوجستية أميركية. ولا يجوز التعامل معه باعتباره بالونات اختبار فقد باتت الحروب واضحة المعالم والممهدات ولم تعد تحكمها فعلياً الحرب النفسية، ولعل خطأ صدام حسين الأساسي انه بقي يفكر بأن الحرب لن تقع حتى وقوعها رغم كل ما بات مُعلناً.

ولكي لا نقع في حسابات مجردة تغفل البعد الذي تتضمنه رسالة يعلون تجاه سورية وحصرها فقط في الجانب الإيراني نقول: إن الرسالة هي أيضا إشارة إلى أن المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية تقدر أن التعامل مع سورية مفتوح على احتمالات السلام وأن المقصود هنا رسالة من المؤسستين لشارون لضرورة عدم الذهاب بعيداً ضد سورية ; لأنها تبقى احتمالاً قائماً للدفع باتجاه السلام بديلاً من الحرب، إذ لا حرب للحرب!

* رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية في دمشق