بعض من حماقات بوش في العراق

TT

يتبادل جورج بوش وجون كيري أسئلة حول وجهات نظرهما وإجراءاتهما السابقة الخاصة بالعراق وهذه الحملة، ولكنها خالية من الجدوى تماما. إنها محاولة للانحراف عن النقاش الذي يجب أن يثيراه حول حاضر العراق ومستقبله.

ونقاش مثل هذا قد يجبر بوش على الاعتراف بأنه يفقد تأثيره المعنوي والبراغماتي في العراق، مع مساعي إدارته لتخفيف التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون هناك. وقد يجبر ذلك كيري على طرح بديل واضح وواقعي يغني عن الجو الخانق السائد حاليا، هذا إذا كان لديه مثل هذا البديل.

وبالتأكيد، ليست تعهدات المرشحين والخيارات المطروحة أمامهما متساوية. فقرارات الرئيس ليست مطروحة كاحتمالات تكتيكية في حالة الفوز، مثلما هي الحال مع وعود كيري. فالعراق والولايات المتحدة وبقية العالم ستتأثر كلها بنتائج كلمات بوش إن هو التزم بها.

في الخريف الماضي، ألقى الرئيس ثلاث خطب عاصفة، أكد فيها على عزمه بإنهاء الدعم الأميركي التلقائي للقمع الذي ظلت الحكومات العربية تمارسه خلال الستين عاما الأخيرة. فالموقفان الأخلاقي والبرغماتي يتطلبان دعم واشنطن للديمقراطية في المنطقة. وسيكون العراق نموذجا حسبما قال بوش آنذاك. لكن يبدو ان أولويات بوش أصبحت مختلفة الآن مع دخول إدارته في مناورات مصممة، لا لخلق نظام ديمقراطي في بغداد، بل لخلق غطاء سياسي في الولايات المتحدة، وخوف مع اضطراب في طهران.

وجاءت هجمات القوات الأميركية على المتمردين الشيعة في النجف متزامنة مع لعبة جديدة وقاسية تقوم بها بغداد ضد السياسي الشيعي المثير للمشاكل أحمد الجلبي، مع قمع مؤقت ضد تغطية فضائية الجزيرة الانتقادية في الأسبوع الماضي، ليعيد ثانية تسامح البيت الأبيض مع «الاستقرار» الذي يريده أي زعيم عربي قوي.

ويقوم رئيس الوزراء إياد علاوي المدعوم طويلا من «سي آي أيه»، بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية، لتدمير الجلبي ولاستخدام العراق كقاعدة لتدمير سلطة رجال الدين الشيعة في إيران. فالوكالة مصممة على حماية كل صلاتها المهمة مع الحكومات السنية العربية في الأردن ومصر والسعودية، والتي تخشى من الأكثرية الشيعية الموجودة في إيران والعراق.

هذه هي الخلفية الحاسمة للخيار البشع في استخدام السلطة القضائية والعسكرية في العراق ضد الجلبي مع تغاض ضمني من قبل بوش.

فالقتلة البعثيون والإرهابيون يتجولون بدون محاكمة وبتحد في شوارع الفلوجة والرمادي والمناطق السنية من بغداد، لكن وفي الوقت نفسه، تثير ميليشيا الصدر غير البارعة هجوما أميركيا في النجف، يهدد بتدمير جزء من أقدس الأضرحة لدى الشيعة في العالم، من أجل تحقيق مكسب استراتيجي صغير.

ولا يستحق الصدر أي تعاطف، وسوء الحسابات الأميركية هو المسؤول عن تحويل هذا الديماغوجي النكرة إلى متمرد له أتباع شيعة، ما زالوا يشعرون بالحنق وعدم الثقة لفشلها في دعم الانتفاضة التي تفجرت ضد صدام حسين عام 1991، وسينتبهون على الأغلب إلى الفارق في التعامل ما بين التمردين الشيعي والسني، وسيستنتجون أن الإرادة السياسية الشيعية هي الهدف الحقيقي في عملية النجف.

وفي الحقيقة، فكون علاوي شيعيا في الأصل، لا يقلل من نتائج موافقته على العملية. فهو كبعثي سابق بنى موقعه دائما من خلال مؤسسات السلطة التي تتحكم فيها أغلبية سنية. وتوقيت بروز الاتهامات المفاجئة ضد الجلبي وابن أخيه سالم، وضد حزبه السياسي، يشير إلى استخدام مصادر محدودة لاتهامات كبيرة. والجلبي الذي أعرفه منذ ثلاثين عاما، قد خلق له أعداء ضروريين وغير ضروريين في حملته طويلة الأمد لإسقاط البعثيين، ثم السعي لإبقائهم بعيدا عن السلطة. ومن بين الأعداء، الذي لم يكن ضروريا تحويله بهذا الاتجاه، كان بول بريمر سفير بوش في بغداد خلال فترة الاحتلال الأميركي الرسمي للعراق، وهو رجل تمكن بسرعة أن يرى يدا إيرانية وراء الكثير من مشاكل العراق.

وقد تعاون بريمر في الربيع الماضي مع أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي في كتابة مذكرة من سبع أوراق حددت الخطوط العريضة لاستراتيجية تهدف إلى تهميش الجلبي. وهذا المشروع قد وصل الآن إلى مرحلة نضجه بينما الاعتقالات والمحاكمات بين المتمردين راحت بدون تنفيذ.

والى ذلك، أسس بريمر محكمة سرية عين فيها قاضيا تنقصه الخبرة لضمان عدم قدرة الحكومة العراقية المؤقتة على حلها بعد مغادرته للعراق. إنه القاضي الذي يدعى زهير المالكي، والذي كان وراء صدور مذكرتي توقيف ضد الجلبي وابن أخيه سالم حينما كان الأول في إيران.

خلاصة القول، إن معارك الجلبي بين أجنحة عراقية أخرى في بغداد، أمر يخصه، لكن فريق بوش يعرض للمخاطر هيبة الولايات المتحدة ومصداقيتها وشرفها بتدخله ووجوده ضمن حملة تهدف لتصفية الحسابات مع الجلبي والصدر، وأي زعيم شيعي قد يكون تحت نفوذ إيران، بينما يتحكم الإرهابيون في الفلوجة. هذه ليست استراتيجية، إنها مجرد حماقة.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»