حكاية النفط

TT

تجمعت عوامل متعددة سياسية واقتصادية اضافة الى سلسلة حوادث لتجعل سوق النفط في اكثر حالاتها توترا منذ صدمة النفط الاولى في عام 1973، وليصبح الخام الاسود الذي يمثل شريان الحياة للاقتصاد العالمي قضية ساخنة مثار جدل حتى في الانتخابات الرئاسية الاميركية.

وللوهلة الاولى قد يبدو صعود النفط الى مستوياته القياسية الحالية، التي وصلت الى حدود 47 دولارا في اسواق آسيا صباح امس للخام الاميركي ، نبأ سعيدا للمنتجين لما يعنيه ذلك من زيادة العائدات والقضاء على عجوزات الميزانيات التي استمرت طويلا مع الاسعار الضعيفة للنفط التي استمرت سنوات طويلة.

لكن تجارب الماضي تجعل المنتجين أكثر قلقا حتى من المستهلكين عندما ترتفع الاسعار بشكل سريع خلال فترة قصيرة، وتصبح السوق غير مستقرة وكثيرة التقلب، لأن النتيجة الحتمية لذلك هي تأثر النمو الاقتصادي في العالم، او الدخول في دورة ركود وكساد، الأمر الذي ينعكس في مرحلة لاحقة على النفط ويجعل الاستهلاك يتراجع، ومعها الاسعار من جديد، مثلما حدث في طفرات الاسعار في السبعينات وكان محفزا على البحث عن تكنولوجيات طاقة بديلة.

واذا كان بعض المحللين يرجعون التوتر الحالي في السوق النفطية وارتفاع الاسعار الى مخاوف سياسية في منطقة الشرق الاوسط، نتيجة الاوضاع في العراق والارهاب والخشية من تضرر امدادات النفط باعمال ارهابية، فان الاشهر الماضية ابرزت عاملا اقتصاديا أقوى من هذه المخاوف يحرك الاسعار وهو الارتفاع الكبير في الطلب خاصة في آسيا من الصين التي تملك اقتصادا ضخما ينمو بسرعة.

وعلى الجانب الاخر فإن قدرة المنتجين الكبار على زيادة الانتاج اصبحت محدودة على المدى الطويل كما تشير الكثير من الدراسات والابحاث اذا استمر نمو الطلب بهذه المعدلات، وهو سيجعل النفط ولسنوات قادمة قضية ساخنة على اجندة الاقتصاد العالمي. وعادة ما يقال إن تحقيق استقرار السوق يحتاج الى تعاون طرفي المعادلة في السوق النفطية وهما: المنتجون والمستهلكون، لكن هذا لا يحدث في اغلب الاحيان بسبب تضارب المصالح حتى داخل أعضاء كل فريق، والنظرة المتشككة من كل طرف الى الاخر، ولم يسمح هذا الوضع بايجاد نظرة مشتركة مستقبلية تراعي مصالح الجانبين لتطور سوق الطاقة في العالم والتي يعد النفط محورها الرئيسي.

ويلاحظ هذا في عملية تسييس النفط في حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية، في حين ان القضية اقتصادية في المقام الاول ولا تتعلق بالمنتجين الذين حافظوا على امدادات مستقرة على مدى عقود طويلة، بقدر ما تتعلق بتغيرات هيكلية في اتجاهات نمو الطلب وجغرافيتها.

وهذا يعيد من جديد طرح فكرة ضرورة ايجاد هيكلية معينة لحوار دائم بين المنتجين والمستهلكين يعتمد لغة المصالح المشتركة والحرص على استقرار الاقتصاد العالمي لمصلحة الجانبين.