هل إيران صادقة في ضرب إسرائيل؟

TT

في مطلع عام تسعين، نسبت إحدى الصحف الأميركية الى دبلوماسي سعودي قوله ان بلاده ترى في قوة العراق المتعاظمة، رغم انتهاء الحرب مع ايران، مصدرا للقلق فكان أن قامت ثورة الحكومة العراقية آنذاك معتبرة ان قوتها دائما ضد إسرائيل وستظل. واضطرت السعودية الى التبرؤ من التصريح المنسوب الى دبلوماسيها، او نفي صحته، لا أتذكر كيف حُسمت المسألة. مضت أشهر قليلة على تلك الحادثة ليرى العالم القوات العراقية تدخل عنوة مدينة الخفجي السعودية عقب الاستيلاء الكامل على الشقيقة والحليفة الكويت.

الآن تقول ايران الشيء نفسه، ان سلاحها النووي موجه ضد إسرائيل وان صاروخها المطور ايضا ضدها، وهو حديث يدغدغ عواطفنا على اعتبار ان كل من يرفع علم مواجهة إسرائيل تُغفر له جرائمه وأفعاله ونواياه من دون فحص دقيق لطبيعة الوعود المعلنة.

بالتأكيد ايران دولة على خلاف مع إسرائيل، من منطلق تعاطفها مع القضية الفلسطينية وموقفها المساند لحزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي سابقا لجنوب لبنان وما تبقى منه اليوم، وداعمة لسورية للهدف إياه. لكن رغم الحملة الكلامية في الإعلام الرسمي الإيراني ضد إسرائيل، لا يوجد في سجل ايران ما يعضد أقوالها من انها تبني سلاحها لتتحصن ضد إسرائيل. فلم تسجل حادثة واحدة، ولو بالخطأ، وقعت فيها مواجهة في البر او الجو أو البحر بين البلدين على الرغم من كثرة الصواريخ وضخامة الترسانة الإيرانية.

دول المنطقة، جميعها، تتذرع بإسرائيل وفي هذه الذريعة شيء من الصحة، لكن الحقيقة ان سجل الحروب والنزاعات لا يؤيد دعاوى التحصن لضرب إسرائيل او مواجهتها. والذي يهمنا ليس ما يقال بل ما حدث ويحدث، وبكل أسف فسجل صراعات ايران كلها، كانت مع السعودية، حيث وقعت معارك جوية واشتباكات برية، وكذلك مع الإمارات، وحديثا مع قطر حيث احتجزت بارجة عسكرية لها عنوة ولم نعد نسمع عنها شيئا. وصدامات ايران شملت افغانستان في عهد طالبان قبل احداث 11 سبتمبر واشتباكات مع اذربيجان وطبعا العراق. ليس بين الاشتباكات العديدة في ربع قرن واحد اشتباك مباشر مع اسرائيل، مما يجعل الدول المجاورة لايران تقلق اكثر من إسرائيل حول البناء الدؤوب لترسانة طهران النوعية، والكمية التقليدية والتدميرية الشاملة. فقول طهران ان تطوير صواريخها موجه ضد الصهاينة لا يعززه إثبات، بل يخالفه خاصة انها دائما تحارب اسرائيل بالوكالة، اي بدعم الأطراف المعادية، وهذه الترسانة يستحيل ان تُرسل الى المحاربين بالوكالة، والاحتمال الوحيد ان اهدافها من دول الجوار.

ان سباق التسلح الصامت والذي يسير بشكل اكثر اندفاعا من قبل ايران في حقيقة الأمر لا يخيف اسرائيل بل يخيف صغار الدول المجاورة التي ستضطر الى شراء المزيد من السلاح لما تراه تحصنا وتحسبا، مما يغذي الشكوك على الجانبين ويسعد فقط باعة السلاح والدول البعيدة.

[email protected]