عن نزاهة الانتخابات .. حتى أنت يا أميركا..!

TT

الكل يعرف هذه الحقيقة. ولكن السياسيين والصحافيين المعروفين لا يحبون الكلام عنها، حتى لا يتهموا بأنهم من أنصار نظرية المؤامرة.

وهذه الحقيقة هي أن هناك احتمالات كبيرة بأن تكون انتخابات 2004 مشكوكا في نتائجها. وعندما اقول أن النتائج يمكن أن تكون مثيرة للشكوك لا اقصد أن الانتخابات نفسها سيجري تزويرها، فهذا ربما لا نعرفه مطلقا. بل أقصد أنه لن يكون هناك يقين كامل حول صدق وأمانة إحصاء الأصوات، مما يجعل كل العالم وكثيرا من الأميركيين تساورهم شكوك جدية حول سلامة الانتخابات.

كيف يمكن أن تكون نتيجة الانتخابات مثيرة للشك؟

دعونا نناقش واحدا فقط من عدة أحتمالات، وهو أن تجيء نتيجة التصويت في ولاية فلوريدا، والتي توضح استطلاعات الرأي حاليا أن جون كيري متقدم فيها على الرئيس بوش. الجزء الأكبر من عملية التصويت في ولاية فلوريدا سيكون عن طريق ماكينات إلكترونية لا تترك وراءها أوراقا يمكن إحصاؤها أو مراجعتها. وقد عبر بعض خبراء الكمبيوتر عن ذعرهم لما وجدوه من ثغرات في البرامج التي تعمل بها هذه الماكينات. ولذلك ستكون هناك شكوك معقولة حول سلامة عد الأصوات في ولاية فلوريدا، مع انعدام إمكانية المراجعة. وما على الجمهور سوى أن يأخذ هذه النتائج على أساس الثقة في صحة العملية وليس أي شيء سواها.

ولكن الطريقة التي يتصرف بها المسؤولون التابعون لحاكم الولاية جيب بوش، حول قضية الانتخابات، لا تبعث مطلقا على الثقة. فهناك أولا قائمة المجرمين الشهيرة. فالمعروف أن قانون فلوريدا يمنع المجرمين من الإدلاء باصواتهم. ولكن وفي عام 2000 وضعت أسماء كثير من الأفراد الأبرياء بتلك القوائم مما منعهم من التصويت. وكان أغلب هؤلاء من السود. وهذا العمل الخاطئ ربما كان هو الذي وضع شقيق الحاكم في البيت الأبيض.

في هذا العام أيضا قامت سلطات فلوريدا بوضع قائمة بالمجرمين، وحاولت الاحتفاظ بها سرية. وعندما أمر أحد القضاة بكشف القائمة، اتضح أنها حاولت مرة أخرى وضع أسماء الأبرياء، وأغلبهم من السود، في قائمة المجرمين مما يحرمهم من حقوقهم الديمقراطية. ولم تشتمل تلك القوائم على أي أشخاص ذوي أصول إسبانية.

وفي يوم الإثنين الماضي كشف صديقي بوب هربرت مبادرة مشبوهة أخرى من سلطات ولاية فلوريدا. فقد داهمت مجموعات من ضباط شرطة فلوريدا بيوت كثير من الناشطين في حملة إقناع الناس بالإدلاء بأصواتهم، وأغلبهم كذلك من الأفارقة الأميركيين، وفتحت معهم تحقيقات حول قضايا تتعلق بالفساد. ولكن سلطات الولاية لم تكشف سوى اقل القليل من المعلومات حول التحقيقات، ويقول هربرت إن هذا العمل يبدو أنه محاولة من الشرطة لابتزاز هؤلاء الأشخاص على ابواب الانتخابات القادمة.

في ضوء هذه الظروف فإن أية نتيجة لصالح الرئيس بوش في هذه الولاية سيكون مشكوكا فيها بصورة عميقة. وكان على الكونغرس أن يحمي هذه الانتخابات ويضعها فوق الشكوك بالتصويت عن طريق الأوارق الانتخابية. ولكن التشريع ترك للجنة واحدة، وربما يكون الوقت متأخرا جدا لتغيير البرامج خاصة الهاردوير. ومع ذلك فإن من الضروري تماما أن تكون الانتخابات نظيفة وعادلة، ويمكن الثقة في نتائجها.فما العمل؟

ما يزال هناك بعض الوقت أمام المسؤولين لتقوية ضمانات النزاهة، وطمأنة الجمهور إلى أن ماكينات التصويت لا يمكن تزويرها أو التدخل فيها قبل الانتخابات أو بعدها. كما يمكنهم تكليف مراقبين محايدين لاختبار سلامة هذه الماكينات باختبار بعضها على الأقل قبل الانتخابات وأثناءها، وتوفير أوراق انتخابية لكل ناخب يطلب ذلك.

كما يمكن للناخبين أنفسهم أن يلعبوا دورا ما في تأمين الانتخابات. فقد أرسل الحزب الجمهوري كتيبا لناخبيه يحضهم فيهم على استخدام أوراق الانتخابات للغائبين إذا كانوا ينوون السفر أثناء الانتخابات. ويقول الحزب إن ذلك كان خطأ، ولكنه في نظري كان شيئا إيجابيا. فعلى الناخبين أن يستخدموا الأوراق الانتخابية عندما يكون ذلك متاحا. وإذا كان ذلك يتعلق بتصويت الغائبين فما الخطأ في ذلك؟ وبالطبع فإن المشرفين على الانتخابات من الموظفين سيغضبون من ذلك لما يسببه لهم من عمل إضافي، ولكن هذا ما جلبوه لأنفسهم.

وأخيرا فإن بعض الناشطين في الحملة الانتخابية قد حثوا على اجراء الاستطلاعات للناخبين وهم يغادرون مراكز التصويت. وهم يقصدون هنا عملية مستقلة عن الاستطلاعات التي تقوم بها أجهزة الإعلام. وتبدو هذه فكرة جيدة.

وسيكون لتصويت الخارجين من مراكز الاقتراع ثلاث فوائد: إذ سيكبح جماح كل من يفكر في تزوير الانتخابات، ويمكن في حالة نجاحه أن يؤكد نتيجة الانتخابات ويطمئن الناس على عدم حدوث تزوير، كما أنه سيكون بمثابة الإنذار المبكر إذا كان هناك أي نوع من التدخل في العملية الانتخابية. وربما يكون من الممكن حينها اللجوء للقانون لتصحيح الخطأ.

من المثير للرعب، أن تكون ديمقراطيتنا، والتي أسستها شجاعة وتضحيات الكثيرين من الرجال والنساء، مهددة حاليا. إن الأمر لمخيف لدرجة تحمل البعض على الكف عن مجرد التفكير فيه. ولكن إغماض العينين لا يجعل المشكلة تختفي. بل على العكس من ذلك، فإنكار وجود المشكلة يمكن أن يزيد من الشكوك التي تراود الناس عن هذه الانتخابات.

* خدمة نيويورك تايمز