كلمة «لافتة» في اللغة العربية تعبر عن الاعلانات في الشوارع بصورة ادق مما نجد في اللغات الاخرى. فاللافتة تلفت النظر وهذا خطرها. فالمفروض في سائق السيارة ان يركز نظره على الطريق ولا يلتفت لأي شيء آخر. لا يدانيها في هذا الخطر على سلامة المرور غير الفتيات المجلببات بالمنيجوب.
يصل عدد اللافتات عند بعض مفترقات الطرق حدا يحتاج الى كمبيوتر لاحاطة السائق علما بالمطلوب منه. تزداد مشكلة السائق تشوشا عندما تختلط لافتات المرور باللافتات التجارية، ولا سيما بعد ان اصبحت الاعلانات التجارية حاشدة بالعاريات وانصاف العاريات. تجد اعلانا لراديوات همفريز مع صورة لواحدة منهن وبجانبها لافتة تقول «لا تسرع» او «الاجهاد يقتل. استرح عندما تشعر بالتعب». ونحو ذلك من اللافتات المصممة لتفادي الحوادث.
تسبب بعض اللافتات كثيرا من الاضطراب في ذهن السائق. وهو ما حملني الى كتابة هذه المقالة. كنت اسوق سيارتي في طريقي لحضور مهرجان سالزبرغ للموسيقى على احد طرق المانيا السريعة (الاوتوبان). وبالطبع كنت متعبا ومتلهفا للوصول الى النمسا. رحت انتظر ظهور اللوحة التي تبشرني بعبور الحدود بكلمة «النمسا» واذا بي اواجه فجأة لوحة كبيرة تقول «افغانستان». كدت افقد صوابي واكبح الفرامل وانا في وسط الاوتوبان لاعود من حيث جئت. فما انا وافغانستان؟ انا جئت لسماع موسيقى موتزارت في المدينة التي نشأ فيها، لا لأواجه قنابل طالبان والسادة الذين حرموا على المسلمين سماع الموسيقى. وكيف حدث ذلك؟ هل استرسلت بالسرعة بحيث اجتزت كل اوروبا وتركيا وايران ووصلت حدود افغانستان؟ ولكن سرعان ما تبددت مخاوفي عندما شاهدت اللوحة التالية «احسن الاكلات الشرقية، تجدونها في مطعم افغانستان؟!».
هذه واحدة من مطبات اللافتات المصممة لتشويش عقل سواق السيارات. ما زلت اتذكر منها لافتة في جنوب بريطانيا في وسط الطريق المؤدي الى مدينة هيستنغ «معركة على يسارك» اعوذ بالله! يا جماعة انا جئت بهؤلاء الضيوف من بغداد لقضاء يوم جميل في هذا المنتجع البريطاني اللطيف. ما جئت لأزج بهم في معركة. عندهم في العراق الكثير منها، كانت عندهم امها، ام المعارك التي حملت وخلفت جيلا من المعارك. كبست على البنزين لاجتاز المنطقة قبل ان تلتهمني واصحابي نيران المعركة، لا على اليسار ولا على اليمين. وعندما وصلت هيستنغ اكتشفت ان «معركة» Battle هي اسم المكان الذي جرت فيه المعركة التاريخية الحاسمة التي قتل فيها ملك انجلترا وانتصر فيها النورمان على الانجليز عام 1066 اسمعتم؟ هذه امة تطلق اسم المعركة التي خسرتها على منتجع من منتجعاتها الجميلة!