هكذا تحدث

TT

منذ ايام وانا حائر في أي باب اكتب عن «معركة» الرئاسة اللبنانية: في باب السياسة ام تحت عنوان «كتابات للصيف». ففي هذه المعركة ليس هناك سوى مرشح واحد هو رئيس الجمهورية اميل لحود. والباقون سلامتك! فما دامت دمشق هي التي تنتخب الرئيس اللبناني، فان المرشح الوحيد الذي تحدثت عنه حتى الآن هو الرئيس الحالي، او الرئيس التالي. ومع ذلك فقد بقي للبنانيين حق السلوى ومتعة الترشيح والكلام عن «بورصة». وهذا شعور صيفي جميل. انت ترشح، وانا انتخب. وفي ذلك تقدم على ما هو سائد في عموم بلدان العرب، حيث الترشح ايضا ممنوع. والتفكير في الترشح جنون. حتى من قبيل الديكور.

وانا لا اتابع كثيرا اخبار لبنان، خصوصا حيث لا خبر ولا حدث ولا جديد. ولكنه الصيف. ومن متعه ان يقرأ المرء تصريحات السياسيين اللبنانيين وكيف يحاولون ارضاء جميع الاذواق وجميع المرشحين وجميع «المقررين» في وقت واحد، وكيف يحسبون حساب الرجعة عن كل ما قالوه. وجميع العائدين من زيارة دمشق يؤكدون ثم يستدركون: الا اذا! أي الا اذا غيرت دمشق رأيها او موقفها. والارجح انها لن تفعل.

ليست هناك «معركة» رئاسية مثل هذه «المعركة». والطف ما فيها «الروح الرياضية». الخاسرون يباركون ايضا. واعمق ما فيها التصريحات الفذة والتعبير عن المواقف في صراحة لا مثيل لها في الارض. وعندما اقول ذلك انما افكر في معالي كريم بقرادوني وزير الادارة المحلية ورئيس حزب الكتائب. ومعروف عن معالي بقرادوني انه واضح كالسيف، ولذلك رافق جميع رؤساء لبنان، من الياس سركيس الى بشير الجميل الى امين الجميل ولم يوفقه الحظ مع الرئيس الياس الهراوي لان الرجل لديه «حساسية معينة» حول بعض الاحزاب. والآن يؤيد السيد الوزير بقرادوني الرئيس اميل لحود تأييدا مطلقا. لكنه في الوقت نفسه مضطر (فقط الى حد ما) لمراعاة بطريرك الموارنة، باعتبار ان «الكتائب» حزب ماروني ليس فيه من الارمن سوى رئيسه. ومعروف ان البطريرك صفير يعارض التمديد للرئيس لحود من حيث المبدأ. أي لانه يعارض تعديل الدستور الذي اصبح من «النايلون» لكثرة ما عدل ورتق وصحح «لمرة واحدة»!

الاسبوع الماضي قام وزير الادارة ـ رئيس حزب الكتائب السيد بقرادوني بزيارة بطريرك الموارنة. ومن عادة السياسيين اللبنانيين كلما زاروا مرجعا ان يقفوا على بابه ويصرحوا شيئا ما. أي شيء. فماذا سيقول معالي السيد رئيس حزب «الكتائب» المؤيد للتجديد امام بوابة المرجع المعارض؟ اليكم هذا النص الرائع: «موضوع الاستحقاق الرئاسي نعتقد انه في ذهننا. وبالنسبة الينا نعتقد ان الدستور يجب ان يطبق بحذافيره، وان تعديل الدستور يجب ان يتم وفق الدستور وهذا امر دستوري».

هكذا تحدث بقرادوني. قالها بكل صراحة، من دون مواربة: الدستور امر دستوري يعدل وفق الدستور دستوريا لان الدستور يجب الا يعدَّل الا بموجب الدستور. عاش لبنان.