محاسبة..

TT

تعيش الاوساط المالية والاقتصادية السعودية فورة وطفرة لم تشهد مثلها منذ زمن طويل وتتمثل في حالة الانتعاش والحركة الاستثنائية التي تحصل في البورصة. ومع هذه الحركة تم استحداث أخيرا هيئة سوق المال بادارة فنية وتوجه معلن، الغرض منه تحسين وتطوير السوق.

ولكن من أهم المناطق التي تتداولها تصريحات هيئة سوق المال الجديد (بالرغم من دقتها وحساسيتها الشديدة) هي منطقة (المحاسب القانوني). المحاسبة القانونية هي مهنة شديدة الأهمية فهي الجهة المستقلة المخول لها أن تكون العين والأذن والضمير والرقيب على أداء الشركات والمؤسسات، وبذلك فهي أيضا عليها مسؤولية مهنية هائلة أن تكون البيانات والارقام والآراء الواردة في تقريرها صحيحة ودقيقة، لأن هناك الكثير من التوابع المالية والمعنوية على تلك التقارير.

ومع ازدياد معدل الكوراث المالية والاقتصادية في أكثر من بورصة مالية كمشاكل شركات إنرون وورلدكم وتايكو الأميركية ومشاكل بورصة نيويورك المالية نفسها ومشكلة شركة مارثاستيوارت. حتى أوروبا لم تسلم من الانهيارات المحاسبية في بعض شركاتها حتى طالت شركة بارمالات الغذائية الايطالية العملاقة.

ولعل الشركة الأشهر التي سقطت جراء الاحداث هذه كلها كانت شركة آرثر أندرسون للمحاسبة. هذه الشركة العريقة الهائلة ذات الارث العريق سقطت لأنها لم تتمكن من اصدار ميزانيات وتقارير صادقة ودقيقة للمستثمرين في بعض تلك الشركات العامة وبالتالي تعاونت بصورة ما في تزوير وتزييف الحقائق، مما أدى للخسائر الهائلة فجأة للشركات وبالتالي افلاسها. وفقدت شركة آرثر أندرسون كل مصداقية ممكنة وأعلنت أفلاسها وخروجها من السوق بشكل مليء بالخزي والعار المهني.

وما انطبق من تحذيرات وأخطار على الأسواق المالية في الدول الصناعية ينطبق أيضا على الأسواق المالية السعودية. فوضع الميزانيات في بعض الشركات بحاجة لاعادة نظر جادة تظهر واقعها الحقيقي من دون تنميق كما يحدث. إعادة تقييم الوضع المهني للمحاسبة القانونية بدقة لن يساهم فقط في تطوير أداء الأسواق المالية، ولكنه سيرفع الثقة في الاقتصاد السعودي بشكل عام.

من المفروض والمطلوب أن تغلق بعض المكاتب المحاسبية المخالفة بعد خضوعها لتفحيص وتدقيق، وليس سرا ما يحدث من بعض تلك المكاتب من «اصدارات» جراء مجاملات وهدايا وأموال، كل ذلك، نظير ختم وأوراق المكتب يبين فيها براءة ذمة مالية للشركة أو المؤسسة المعنية، وهذا في الواقع ما هو الا خداع وجريمة ولا بد من التعامل مع ذلك على أنه مخالفة صريحة للنظام.

المهن الحرة، كالطب والمحاماة والهندسة والمحاسبة هي من اساسيات التطور الاقتصادي والمهني في أي مجتمع، ولكن لا بد أن تبني سمعة هذه المهن على معايير قوية تثيب من يحسن وتعاقب من يخالف وتمنع الاضرار بالغير. وما يحدث من اصلاح عالمي جذري لمهنة المحاسبة مطالب أن يطال هذه المهنة في السعودية، فالمصلحة العامة تقتضي ذلك.