مبادرة وقف العنف .. مرة أخرى

TT

عندما قرأت التصريحات التي نسبت لعبود الزمر الأسبوع الماضي، والتي يؤكد فيها التزامه بمبادرة وقف العنف التي أطلقتها الجماعة الاسلامية، وأنه متمسك بها على الرغم من رفض محكمة القضاء الاداري الافراج عنه ، وأن موقفه يعد خيارا استراتيجيا، خاصة أنه أيقن أن العنف لا يخدم مصالح الأمة.. عندما قرأت هذه التصريحات، استحضرت على الفور كتاب «نهر الذكريات»، الذي يعد أكثر كتب الجماعة الاسلامية بعد إطلاق مبادرتها، قدرة على التواصل مع القارئ، وطرح أفكارهم ومناقشتها بجدية، كما أنه الكتاب الذي يتناول الصدى الذي أحدثته كتيبات سلسلة تصحيح المفاهيم والمناقشات التي جرت بين قادة الجماعة الاسلامية وأبنائها في السجون المختلفة، لشرح أسباب المبادرة وأسباب التحول العسكري في الجماعة الاسلامية، وهو ما مثل منعطفا مهما وخطيرا في حياة الجماعة وتاريخ الحركة الاسلامية بشكل عام .

وبتأثر شديد يحكي قادة الجماعة الاسلامية عن لقائهم بأبناء الجماعة في السجون، قائلين: «كم كانت لحظات عظيمة ومؤثرة عندما التقينا بهم لأول مرة، وجلسنا إليهم، وصارحناهم بحقيقة ما وصلنا إليه من مراجعات، قدمنا الأدلة والبراهين بين أيديهم واضحة من دون مواربة أو مداراة للحقائق، وكم يبدو عسيرا أن يتحدث قادة أمام أفرادهم بكل وضوح وصراحة عن مراجعات وتصويبات. وبات الصعب سهلا والعسير يسيرا بتوفيق الله، وبدأ قلقنا يتساقط عن نفوسنا مع ظهور الابتسامات وعلامات الارتياح على قسمات الوجوه» .

الذي ذكرني بكتاب «نهر الذكريات» في موقف عبود الزمر، هو أنه ما زال مصرا على أنه متمسك بالمبادرة، على الرغم من أنه ما زال مسجونا، وطارق الزمر ابن عمه، ما زال مسجونا أيضا، رغم أنه حصل على حكم بالإفراج عنه، وهو ما يتماس معه كتاب «نهر الذكريات» الذي يؤكد فيه القادة التاريخيون للجماعة الاسلامية، أنهم رغم سجنهم فلم يتوانوا عن التصريح باعتقادهم والاعتراف بخطئهم، بل يقولون إن مهمتهم في المحاضرات التي ألقوها على أتباعهم لم تكن سهلة ولا ميسورة بل عانوا وقاسوا حتى أنهم كانوا يلزمون الدعاء في العربات التي تقلهم إلي أي سجن يذهبون إليه بأن يوفقهم الله للخير، وان يكتب لهم القبول عند إخوانهم، وأن يتقبل منهم أبناء الجماعة بصدر رحب .

ان هذا الموقف وموقف عبود الزمر، والمواقف التي يطرحها كتاب «نهر الذكريات»، والذي كان مواجهة حقيقية بين قادة وتاريخهم، ومناقشة جدية لأفكار في حاجة إلى مناقشة، يكشف ان هذه المبادرة ما زالت في حاجة إلى قراءات وقراءات .

وما زلت أعتقد أن المبادرة، بغض النظر عن مساحة الاتفاق حولها أو الاختلاف، وبغض النظر عن حجم التشكيك الصادر عن جهات متعددة ضدها، أو مساحة الثقة الحذرة بها، وعلى الرغم من ذلك، فما زلت أعتقد أن تلك المبادرة لم تأخذ حقها الكافي في الحضور إعلاميا أو مناقشتها مع أطرافها بجدية بعيدا عن نظرات التشكيك والريبة .

وما زلت أعتقد أيضا أن هذه التجربة مهمة، وقد تكون دراستها أحد المخارج الأساسية من دائرة الإرهاب المنتشر في بعض المناطق العربية.

[email protected]