هل يفهم مقتدى حجم المشكلة؟

TT

عسكريا المعركة تقريبا محسومة لصالح القوة الكبرى، الحكومة العراقية. جميعنا يدرك انه لا يوجد امامها، بل امام اي حكومة في العالم، الا ان تثبت قدرتها على الأرض، وهي نفسها تحتاج الى امتحان، الى معركة لتثبت هذه الحقيقة، حقيقة وقف عمليات الانفصال وبذور التمرد وضد قيام ميليشيات مستقلة. ولو لم تنجح في أي معركة تخوضها من اجل هذا الهدف فإنها ستعرض البلاد باكملها الى حالات انفصال حقيقية، وظهور حركات تمرد تؤسس لنفسها مراكز شعبية، ودوائر نفوذ مستقلة، وسينتهي العراق دولة مساحة نفوذها لا تتجاوز المنطقة الخضراء في بغداد.

ورغم هذا الالحاح على الاستعراض العسكري، المفهومة دوافعه في مواجهة عملية تمرد النجف والاصرار على مبدأ رفض وجود ميليشيات في البلاد، فان اسلوب ادارة نزاع النجف سيكون كذلك امتحانا لعقل وذكاء الحكومة لا عضلاتها وحسب، فان هناك ما هو اكثر أهمية من القوة العسكرية واصعب ونعني به ادارة الأزمة سياسيا. سيكون النصر حقيقيا لو توقفت المعركة قبل الهزيمة، وجاء الحل مشتركا، فلم يظهر هناك منتصر بالضرورة بأن ترتضي المجموعات المتحصنة في النجف حلا يحفظ ماء الوجه للطرفين.

كان ظهور السيد حسين الصدر، عم مقتدى وعميد عائلة الصدر وكذلك اضافة اسم خالته الى الوفد كما يقال، تكتيكا جديدا لمحاصرة هذا الشاب اللامع نجمه امام مواطنيه العراقيين الذين يرون انه ليس كل عائلة الصدر. مقتدى يملك خيارا سياسيا بمساندة عائلته افضل من التحصن وراء ميليشيات يتوقع ان ينشق بعضها عنه، كما هو الحال تاريخيا في حركات التمرد.

ان احدا لا يريد لميليشيات جيش المهدي، سواء كان مقتدى قائدها او غيره، ان تبقى خارج معسكرات قوات الدولة، ليس لأنها الخطر نفسه بل لأنها الامتحان الحقيقي للحكومة، ولو تركت لصار العراق ثكنات متمردة في النجف وسامراء وبعقوبة والبصرة وفي كل ركن يسهل تمزيقه تحت شعارات اثنية او اقتصادية او سياسية.

لا أدري كم يفهم قادة معسكر الصدر هذه الحقيقة ويقدرون خطورة ما فعلوه، لكن من المؤكد ان العراق يطالع تجربة الصدر ومعركته. هناك جمهور يريد ان يصنع عراقا كما يحب ان يراه من خلال تشقيقه وتكسير فسيفسائه، كما عرفت منذ مطلع القرن العشرين، وصارت العراق الذي نراه. وهناك جمهور خائف يريد حكومة مركزية، مهما اختلف مع لونها او كيفية بلوغها السلطة، كضمانة لوحدة البلاد وحماية الجميع من حروب اهلية، تلك التي كنا نتنبأ بوقوعها مع تباشير سقوط نظام صدام.

لمنع كابوس الحروب الاهلية وتفكيك البلاد لا مناص من رفض التمرد، ودعم السلطة المركزية مع اصلاحها من داخلها بالمشاركة السياسية، كما حدث في المؤتمر الوطني العراقي الذي كان ساحة حرب بين الاحزاب والفئات المختلفة ولكن بطريقة آمنة وحضارية وقابلة للتطور.

[email protected]