كلنا بن لادن!

TT

مثيرة هي التساؤلات حول موقفنا كأمة من بن لادن، وتحديدا موقف الإسلام السياسي وأحزاب الدين السياسي من بن لادن، ومواقف النفاق السياسي مما تسبب به بن لادن من ضرر للمسلمين، ولا أقول الإسلام - لأنه لا بن لادن ولا غيره يمكنهم أن يضروا الإسلام بشيء.

محزنة مقارنة موقفنا كأمة وأتباع دين سماوي من سلمان رشدي، وموقفنا كأمة من أسامة بن لادن، هل يذكر أحد منا سلمان رشدي؟

للتذكير، فسلمان رشدي كاتب بريطاني من أصل هندي، كان مغمورا لم يسمع به سوى القلة. فاز بجائزة لرواية تافهة اسمها «آيات شيطانية» عام 1988. أقول رواية تافهة لأني لم أستطع أن أكمل قراءتها، ولا أن أفهم فحواها ولا معناها، رغم أني أحمل شهادة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية من بريطانيا. وتحول كاتب مغمور، أو «سخيف»، أو «تافه»، أو سمه ما شئت، إلى شخصية يتردد اسمها في وسائل إعلامنا، وخطب مساجدنا، وصحفنا، وحلقات الذكر، ومراكز تحفيظ القرآن. وتنافحنا، وشحذنا كل سيوفنا الكلامية، وكل فتاوانا الدينية، وكل رقبائنا، وموانئنا، ومطاراتنا، ونقاط حدودنا، لمنع الكتاب من الدخول والتداول لأنه يسيئ إلى الإسلام.

وخرجت المظاهرات في كل عواصم العالم الإسلامي، تتجه نحو السفارات البريطانية، وتحرق دمى لسلمان رشدي، ونسخا من الكتاب الذي كتبه. وقتل في إحدى المظاهرات، التي جرت في باكستان وحدها، تسعة متظاهرين، عدا الجرحى على أيدي رجال الشرطة الباكستانية المسلمة. ولم يقتل مسلم واحد على أيدي الشرطة البريطانية غير المسلمة في أية من المظاهرات التي اجتاحت المدن البريطانية.

وصدرت الفتاوى تلو الفتاوى، تحرم كتاب سلمان رشدي وتهدر دمه، ورصدت إيران جائزة قدرها مليون دولار لمن يقتل سلمان رشدي، تنفيذا لفتوى الإمام الخميني.

وتصدرت مكتباتنا البائسة ردود من الكتب والكتيبات تفند رواية سلمان رشدي، وتدحض ما فيها، على الرغم من أن الكتاب قد منع في كل عواصم العالم الإسلامي. وكان البعض يقرأ ردودا وتفنيدا وتكذيبا لكتاب لم يقرأوه ولم يتعرفوا على فحواه!

وترصد المترصدون بسلمان رشدي لقتله، طمعا بالتقرب بدمه إلى الله، وربما طمعا بالمليون دولار التي رصدتها إيران وقتها. وعززت السلطات البريطانية الحراسة على سلمان رشدي، الذي أصبح أشهر من نار على علم، وذلك لأن أمة كاملة قررت أن تغتاله، لكنها لم تصل إليه فاغتالت مترجما يابانيا.

ولكن موقفنا من بن لادن، لا يرقى أبدا لموقفنا من سلمان رشدي. فعلى الرغم من كل ما فعله بن لادن من قتل لآلاف الأبرياء باسم ديننا، وعلى الرغم مما تسبب به من ضرر للمسلمين في كل مكان، وبالذات الأبرياء منهم الذين يعيشون في الغرب حياة أفضل من حياة كثير من المسلمين في ديار الإسلام، فلم تصدر فتوى دينية واحدة حتى الآن، تهدر دم بن لادن، وحجتهم أن بن لادن لا يزال يقول «لا إله إلا الله»، ألم يكررها نابليون في مصر كثيرا في الأزهر أثناء الحملة الفرنسية عليها؟

ولكن دع الفتاوى جانبا. هل خرجت مظاهرة واحدة تدين ما قام به بن لادن في أي من عواصمنا الإسلامية؟ ربما تظاهر بعضنا «بقلبه» تأييدا له، وذاك أضعف الإيمان! إذ تتسابق الفضائيات على بث خطبه وفتاواه لا منعها مثلما منع كتاب رشدي.

هل رصدنا جوائز للنيل من بن لادن مثلما رصدنا لرشدي بسبب الكتاب؟

لقد أعطينا انطباعا للعالم بموقفنا الهزيل من بن لادن منذ البداية، بأننا جميعا بن لادن!