الصينيون و 0900

TT

ينسب إلى نابليون قوله، عندما يستيقظ التنين فسوف يرتعش العالم. والتنين الذي قصده نابليون هو الصين. ويبدو أن نبوءة نابليون بدأت في التحقق. والاستيقاظ الذي تبدو ملامحه ـ أو بدت منذ سنوات عدة ـ ليس استيقاظا عسكريا، كما قد يكون قصد بونابرت، لكنه استيقاظ اقتصادي، جعل الصينيين شركاء لكل مواطن عالمي في حياته. وباتت علامة وجود الاخوة الصينيين مثبتة بكلمة «صنع في الصين» الحاضرة في حياتنا جميعا اليوم.

عندما قرأت أن الايطاليين يأكلون طعاما صينيا كل يوم ـ حيث أن 20% من صناعة (الكاتشب) صينية ـ توقفت باسما. لكن قفز إلى ذهني، أن سجادة الصلاة التي نستخدمها اليوم، والتي تحدد اتجاه القبلة، هي أيضا صناعة صينية. بل أن أغاني رمضان، من خلال فوانيس الأطفال، هي أيضا صينية، ولكنها تنطق بالعربية.

تقرير مهم نشره الزميل نبيل عبد الكريم، في مجلة نصف الدنيا المصرية، رصد فيه ملامح الصحوة الصينية. الميزة المهمة في هذه الصحوة، هي إن جميع ملامحها نعيشها يوميا. عندما وضعت كل هذه الحقائق متراصة، بدا حجم الصحوة. وانتابتني مشاعر الحزن من الحالة التي نحن عليها، وفي ذات الوقت الاعجاب بالتجربة الصينية.

وفي مقابل حالة التسيب والاستسهال واللامبالاة التي نعيشها ـ وتعيش فينا ـ فإن الصحوة على الطرف الآخر، مختلفة. مجتمع قرر أن يحيا حياة عسكرية، لكن من أجل الانتاج. جنود ولكن في المصانع. عقول تعمل بمنطق وهدف الانتشار وغزو الأسواق، قرروا أن يغزوا العالم بمنتجاتهم ليهربوا من الفقر، ولتتحسن أحوالهم المعيشية. وأظن أن أحد الفوارق الرئيسية بيننا وبينهم، هي أننا مازلنا نعمل بمنطق القرية، ويحكمنا الفكر الاقتصادي والتجاري الريفي، بمعنى أننا ننتج ما نحتاج إليه، ونبيع الفائض عن حاجتنا، وهو المبدأ السائد في الريف والمجتمعات البدائية، حيث يسود مبدأ المقايضة. هذا المنطق البدائي، هو الذي يسود علاقاتنا الاقتصادية والسياسية مع العالم، فنحن نصنع ـ اذا صنعنا ـ ما نعتقد نحن أنه مناسب. وننتج ـ اذا أنتجنا ـ ما يروق لنا، وما نستسيغه. واذا ما صدمتنا النتائج، برفض العالم خارج حدودنا لما صنعناه وانتجناه، فالعيب فيهم وليس فينا، لأن ذوقهم مختلف عنا ولا يرضون بما ترضي.

الرؤية الصينية للأمور معكوسة. فهم منتشرون في كل مكان تقريبا، يمارسون شكلا جديدا من أشكال الجاسوسية، يتجسسون علي أذواقنا وعاداتنا. ما نحبه وما لا نحبه. ما نحتاج ومدى حاجتنا، وكيف نحتاج، ميزانيتنا الخاصة في بيوتنا، ثم يعودون إلى مصانعهم بهذه المعلومات الحيوية والمهمة، ليصنعوا، وينتجوا لنا ما نحتاج، بالسعر الذي يفاجئنا في رخصه، ويتم كل هذا بكل الجدية والانضباط والنجاح.

بينما أكتب هذه الكلمات، يمر أمام عيني اعلان على شاشة احدى الفضائيات العربية الكثيرة، لشاب بائس يبدو تعيسا مأزوما. وفجأة، ينقلب حاله لنجده سابحا في مسبح، بجانبه حسناوات. متحدثا في هاتفه الجوال. ناصحا الطرف الآخر، بأن يفعل كما فعل ليخرج من كل مشاكله المالية والاقتصادية والحياتية، قائلا لصديقه: ألم تتصل بـ 0900؟

ولمن لا يعلم فان 0900، هو خط مسابقات بأسئلة تافهة تعطي جائزة واحدة لشخص واحد، بعد ان تستغل سذاجة الملايين.

الصينيون قرروا أن يقهروا الماضي، ويغزوا المستقبل بفكر انتاجي، ونحن نبحث عن حلول واقعنا من خلال .0900

[email protected]