العراق الكروي

TT

لا بد أن نعتبرها صفحة من الصفحات الفريدة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة ان يذكر رئيسها انتصارات فريق كرة القدم العراقي كجزء من انجازاته المهمة التي تتطلب من الناخبين الاميركيين اعادة انتخابه، على امل ان يستطيع الحصول على انجازات كروية مشابهة في افغانستان او تايوان او عربستان.

بيد ان الشخص الذي يستحق التباهي بالفريق العراقي فعلا هو توني بلير فقد كان الانجليز هم الذين مولوا الفريق العراقي، لا بل هم الذين علموا العراقيين لعب الطوبة.

يعود ذلك لايام الانتداب عندما شاهد أهل بغداد لاول مرة في تاريخهم كرة القدم، تلعبها فرقة الاوسبتل وفرقة الاتش كيو. وحولهما انقسم الجمهور العراقي بين من يشجعون الاوسبتل ومن يشجعون الاتش كيو. وكثيرا ما دخل الطرفان في خصومات ومصادمات حادة، مما اعطى صورة دقيقة لحالة العراق: الانجليز يلعبون والعراقيون يتخاصمون ويتعاركون. بمرور الزمن تعلموا اللعب منهم وراح ابناؤهم يضربون الكرة في الازقة القديمة ويحطمون زجاج النوافذ ويطيحون بعمائم المارة وطاقياتهم فينهالون بالشتائم على الاستعمار الذي افسد اخلاق الشباب وعلمهم على لعب الطوبة.

وسرعان ما نشأت فرق وطنية استنجدت باللاعبين الانجليز حتى اصبح عددهم في بعض الفرق يفوق عدد العراقيين. فصدر قرار بالسماح بانجليزي واحد في كل فرقة. هذه سنة الانتداب، لكل وزارة مستشار ولكل فرقة طوبة مستشار.

لاحظ الجمهور ان احد الفرق كان يستخدم لاعبين انجليزيين بدلا من واحد فاحتجوا على ذلك. ولكن الفريق المعني قدم اللاعب الثاني بأنه عراقي اصيل واسمه فخري عمر. كل ما في الأمر ان بشرته بيضاء وشعره اصفر وعينه رصاصية. ثم جاءوا به فتكلم العربية بلهجة باب الشيخ. ومع ذلك اصر المعترضون على انه انجليزي. جاسوس انجليزي يجيد العربية. دسه المستعمرون في مؤامرة للتجسس على كرة القدم العراقية ومنع العراق من مزاحمة الدول الاوروبية وانتزاع كأس العالم منها. وكلما ابدع فخري عمر باللعب وبرع في تسجيل الاهداف، ازداد ايمانهم بانه جاسوس.

ولكن فخري عمر ظل يلعب ويجيد واخذوا يسمونه فخري اللندني، وكانوا يعطونه في الاستراحة برتقالتين بدلا من واحدة على اعتبار انه لندني ويحتاج سوائل اكثر من الآخرين.

لم يذكر المؤرخون ما اذا كان فريق فخري اللندني قد جاء بمصارعين واشقياء لحراسته بعد اللعب وكلما سجل هدفا. ولكنهم ذكروا ان كل حكم كان يعتبر مسؤولا عن حماية نفسه من الضرب. ولهذا اعتاد المحكمون ان يأتوا معهم بعدد كاف من الاشقياء لحراستهم من اعتداء الفريق الخاسر.

والمعروف ان الكثير من ساسة العراق فيما بعد كانوا يلعبون في هذه الفرق كنجيب الراوي. مما يفسر طريقة تعاملهم مع شؤون البلاد ومصالح الرعية. انه شيء تعلموه من ضرب الطوبة في صغرهم. ومن ذلك جاء المثل العربي المعاصر «حكومتنا تلعب بنا طوبة».

لا يسعني ولا يسع اي عراقي غير ان يحيي اعضاء الفريق العراقي واحدا واحدا على ما ادخلوه في قلوبنا من افراح في ايام لا نجد فيها ما يفرح قلوبنا. جزاكم الله خيرا.

www.kishtainiat.com