الباب العالي السوري

TT

دائما كان لسورية تأثير مؤكد على الشأن اللبناني وسيستمر هكذا لفترة طويلة، هذه حقيقة الجغرافيا السياسية. السؤال لماذا الضجة هذه المرة بعد فرض اميل لحود رئيسا للجمهورية لثلاث سنوات أخرى؟ ما الجديد حتى ترتفع وتيرة الاحتجاجات العديدة من كل الفئات، بمن فيهم وليد جنبلاط الذي قال انه 22 عاما صديق سورية، ولكن فرض لحود أمر لا يعقل ولا يقبل؟ ليرد عليه المعارض عماد عون هذا ما تستحقونه يا مؤيدي سورية؟

المشكلة ليست لحود كشخص، وان كان تعيينه رئيسا جرى في أقصر عملية اختيار رئيس دولة في العالم، استغرقت عشرين دقيقة، طغت عليها صورة الوزراء ورئيس الحكومة يصوتون بالموافقة، وعلى وجوههم غيظ مكشوف. السبب ما ردده أصدقاء دمشق الذين قالوا انهم عاجزون عن فهم سبب فرض لحود رئيسا مرة ثانية خرقا للدستور، ورفضا لمشاعر الاغلبية التي لا تريده. وليس الرفض لسبب ضده شخصيا، لكنهم لا يرون ما يستوجب التمديد له. وهناك مليون آخر، كلهم، مثل لحود، مقتنعون بخصوصية العلاقة مع دمشق، ولن يخرجوا عن الأطر العامة الرئيسية في العلاقات.

الخشية ان الإصرار على التمديد، سيتحول الى نقمة ضد الرئيس لحود نفسه الذي كان له ان يخرج معززا كرئيس أدى خدمات جليلة بأقل قدر ممكن من الاشكالات. نرى ذلك في تصريحات من كانوا الى زمن قريب يجلون الرئيس، فباتوا ينتقدونه اليوم بوضوح، في مؤشر على السنوات الثلاث المقبلة، والسؤال لماذا؟

يمكن القول ان رفض التمديد للحود جمع اللبنانيين لأول مرة منذ نهاية الحرب الاهلية على قضية واحدة، وهم الذين اشتهروا بالاختلاف على كل شيء تقريبا. ووفاء دمشق للحود لن يخدم سورية التي تواجه منذ سنة جبهة خطيرة جديدة اسمها العراق، وستستمر مصدر تهديد حقيقيا.

فالظرف الاقليمي، وتحديدا التطور في العراق، يفترض ان يكون سببا في عدم التمديد لا العكس. لأن الشعور بفرض رئيس، في حقيقة الامر، يضعف مؤيديها في لبنان ولا يقويهم في وجه ما يحدث في العراق او اسرائيل خاصة، وبالتالي فوقفة الوفاء مع لحود فيها مغامرة تخدم خصوم دمشق في أكثر من معسكر.

نحن ندرك ان سورية معرضة لإشكالات خطيرة بسبب مواقفها الخارجية. وتعيينه رئيسا مرة ثانية بالفعل ليس قضية، لولا ان الظروف ستجعلها كذلك، فالأوروبيون اصبحوا اقرب لأول مرة منذ بداية حرب العراق الى الولايات المتحدة، بعد ان كانوا على خلاف معها في كل موضوع يمت بصلة الى سورية تحديدا. فواشنطن فشلت في اقناع حلفائها الغربيين ببناء قضية ضد سورية في كل المعارك السياسية الماضية، مثل شأن حزب الله كتنظيم مسلح، او التنظيمات الفلسطينية على الارض السورية، او الحدود على العراق كمعبر للارهابيين، لكن ما حدث في لبنان مد خصوم دمشق بذخيرة دعائية قد تتحول مع الوقت الى معركة سياسية خارجية.