إسرائيل تتجسس على أميركا .. ولم لا؟

TT

ثمة ما يستحق القول في إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي F.B.I. بأنه يحقق في معلومات تفيد بتورط محلل معلومات، يعمل في مكتب دوغلاس فايث الرجل الثالث في وزارة الدفاع الأميركية، بالتجسس لصالح اسرائيل. وما يستحق القول هنا، وبعيدا عن النتائج التي سيؤول اليها التحقيق، هو تكذيب هذه الواقعة، ولو نسبيا، لحالات التنميطStereotypes السائدة لدى العقل العربي بأن أميركا تلبي لاسرائيل كل شيء، أو أن اسرائيل تحصل من أميركا على كل ما تريد، أو أن واشنطن لا تقدم على ما يغضب تل أبيب. والنسبية هنا تكمن في أن أحكام العقل العربي العامة تلك، تصدق كثيرا على تجليات الصراع العربي الاسرائيلي، في مقابل عدم صدقها في حالات أخرى قد يتقاطع معها أمن الدولتين القومي. وعلينا أن نفرق هنا بين مستويين من تلاقي وتقاطع المصالح في محراب هذا الأمن القومي.

إلى ذلك، ومن الذاكرة أحفظ إعفاء الرئيس الراحل ريغان، ومن دون تردد لوزير خارجيته الكسندر هيغ في خضم غزو اسرائيل للبنان بزلة لسان من وزير خارجيته الجنرال هيغ، وكانت زلة اللسان قوله، وهو على الهواء أمام عدسات التلفزيون، وفي تقييمه للخسائر، بعبارة «وليس هناك خسائر في صفوف قواتنا Our forces، وكان يقصد القوات الاسرائيلية Their forces، فدفع الرجل الثمن من ثلاثة حروف فقط. وليس هنا مجال الخوض في الأسباب، ولكن ريغان أيضا أنذر اسرائيل بالانسحاب ففعلت، فقادته النشوة الى تقديم «خطة ريغان» الشهيرة، والتي رد عليها الراحل مناحيم بيغن بقسوة، مذكرا ريغان أن اسرائيل (دولة) وتعرف مصالحها، وليست مقاطعة أميركية.

ومن الذاكرة أيضا، استدعي اصرار ريغان على بيع طائرات الأواكس للسعودية، وقد قامت قيامة اللوبي الاسرائيلي في أميركا، فاستعان ريغان بالديموقراطيين في الكونغرس لتمرير الصفقة، ونجح بفارق أربعة أصوات فقط فيما أذكر، وكان محور الجدل بين الادارة الأميركية ومع تداعيات قدوم الثورة الايرانية، أن بيع تلك الصفقة المتقدمة تكنولوجيا للسعودية يمثل مصلحة استراتيجية.

وهناك، وعلى طريق تثبيت هذا التقاطع، قضية الجاسوس جوناثان بولارد، الذي سرب لاسرائيل معلومات عسكرية سرية فباعتها الدولة العبرية للاتحاد السوفياتي، وفي خضم الحرب الباردة. وقد أورد صديق العرب السيناتور بول فيندلي أن تعليق القاضي الذي أصدر الحكم هو الأقسى في تاريخ أميركا، مثلما كانت إفادات وزير الدفاع الأميركي وقتها هي الأكثر صرامة وصراحة وصلت الى استخدام عبارات مثل «أقذر وأخس فعل»، لتورد الصحافة الأميركية من بعد رفض الرئيس كلينتون طلب الراحل اسحق رابين بإطلاق سراح بولارد مستغلا ظرف التوقيع على اتفاقات أوسلو بالبيت الأبيض في 13 سبتمبر 1993 .

شاهد القول هنا أن اسرائيل، وضمن حساباتها القومية قد تلامس، والى حد الخدش، كبرياء أميركا، ونذكر هنا ببيعها أسرارا عسكرية الى الصين من تكنلوجيا صواريخ اشترطت واشنطن في حيثيات تبادلها مع اسرائيل عدم تمريرها لطرف ثالث.

التنميط العربي للعلاقات الاسرائيلية الاميركية لا يغوص في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان كما يقول المثل الغربي. فالدولتان تختلفان، ولكنهما تعملان معا على أرضية ثقافة الاختلاف المتجذرة لديهما، ولكن كل ذلك لن يلغي بالطبع آثارا ربما تكون عاصفة على مقربة من انتخابات رئاسية، وأجندة أميركية مضطربة تجاه ايران، وأخرى جشعة من اسرائيل تجاه طهران على خلفية برنامجها النووي. واذا كان لمثل دعوى التجسس هذه أن تثبت، فربما نجد أنفسنا أمام خريف غاضب بين الدولتين، وآخر في مسار الانتخابات الرئاسية، لأن التجسس، وفي قواميس أولئك القوم أكبر بكثير من وجبة خفيفة تتغذى بها أجهزة الإعلام.