تربية نقدية

TT

إقصاء ومنع الشاب والشابة من إبداء رأيه او رأيها يبدأ عادة من المراحل العمرية المبكرة سواء كان ذلك في المنزل أو المدرسة. وفي مسيرة بناء المجتمعات الحديثة يبدو أن تعود الناشئة على المشاركة في إبداء الرأي وقبول الرأي والرأي الآخر والاستعداد الايجابي للتعامل مع النقد والمجادلة والتناظر، تبدو وسائل وأدوات مهمة تمكن من إيجاد مواطنين أسوياء قادرين على التعامل في قضايا بلادهم ومجتمعهم وفي ما بينهم بثقة وطمأنينة.

واختفاء ومنع هذا النوع من المشاركات والأنشطة الطلابية التي تعلم الطلبة تلك المهارات والقدرات، بات غير مفهوم أبدا، بل كان لتغييب ذلك، الدور المباشر في تزكية الرأي الأحادي ورفض النقاش والتحاور أيا كان.

في كثير من دول العالم تلعب المطبوعات والإصدارات الإعلامية للمدارس دورا مهما في ذلك، فتتناول المقالات والتحقيقات التي تجرى مواضيع تمس حياة الطالب وتمكنه من المشاركة بإدلاء رأيه بجرأة. مواضيع كالدروس الخصوصية، والمواصلات المدرسية، والرسوم والتكاليف والمصاريف، والوجبات والتغذية، والفنون والرياضة، والرحلات والترفيه، والصيانة والخدمات، وغيرها من الشؤون التي تعني الطالب وتمسه هو أو هي شخصيا.

واليوم ومع الاعتراف الصريح والرسمي ومن أعلى المستويات والسلطات السياسية التنفيذية بالبلاد بالشباب وأهميتهم وقضاياهم، لا بد أن يتاح هامش جاد من الحرية للتعبير لهم وبأنفسهم أسوة بما يحدث لبقية المجتمع في وسائل الإعلام، لأن بدون ذلك سنزرع بذرة السلبية واللامبالاة في نفوسهم، وهي لامبالاة لا تستند الى منطق عقلاني ورشيد، وليست مجرد انسحاب ولا اكتراث، ولكنها نتاج متواصل من الابعاد عن المشاركة.

السلطات التربوية والتعليمية مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بإيجاد القنوات والوسائل المفتوحة والمنفتحة التي تمكن الشباب، تلك الشريحة الكبيرة والرئيسية في مجتمعنا، من القيام بدوره الاجتماعي والتنموي المطلوب من المراحل الدراسية المبكرة وعدم تحقير أو تصغير رأيه ومشاركته وتعليمه وتوجيهه «ان كل رأي مقبول وله قيمة».

دول كثيرة استفادت من طرح كهذا وخرجت عن طريق ذلك قيادات متعددة في شتى المجالات التي تحتاجها، وكانت بذلك هي المستفيدة الحقيقية من هذه التجربة المهمة. تعليم الناشئة على حرية النقد وحرية الحوار هو خطوة مهمة ولافتة وهي ضرورية لتكريس قواعد الحرية المطلوبة لإنشاء المجتمعات المدنية القوية، على أن يكون ذلك مبنيا على الحوار والاحترام وحسن الظن، لا بالتركيز على الذعر والممنوع والذي لا يليق، فيولد مجموعة من الخطوط الحمراء والمواطنين المرعوبين السلبيين، وبذلك تولد الأمم الخائفة المذعورة، وهي طبعا أمم مهزومة ولا تنتج، ولا تحلم ولا تنمو.

التربية المبنية على قبول الآخر بحاجة لثقة وجرأة. هل لدينا ذلك؟