حلم العدالة الكاملة

TT

نستيقظ على التلفزيون فتطالعنا أخبار جيش المهدي فنغلق بوابة الشر ونذهب الى الإنترنت ليطالعنا موقع باسم «المهدي دوت كوم».

والأخير لا علاقة له بما يجري في النجف فهو مهدي كويتي اسمه حسين اللحيدان يكمل لائحة من عدة آلاف ادعوا ذلك الشرف الجليل عبر العصور لكن ميزته انه أول مهدي على الإنترنت ظهر لينافس اليمنية ثريا منقوش التي تطمح ـ وعلى الإنترنت أيضا ـ لمنصب روحي أعلى. ان كثرة المهديين لم تقلق عصرنا وحده بل اقلقت قبلنا شيخ المعرة الذي قال عن تلك الظاهرة منذ ألف عام مركزا تحليله على الجانب المادي من دون غيره من العوامل: «كلهم يزعم انه القائم المنتظر فلا يعدم جباية من مال يصل بها الى خسيس الآمال».

ان حلم الخلاص على يد شخص أسطوري يملك العصا السحرية، يحقق العدالة الكاملة ويحل مشاكل العالم كلها بضربة لازب مسألة لا يُستهان بها، فمن ذا الذي لا يحلم بذلك اليوم الذي ينتصر فيه المنتظر على الظلم ويقتلع الشر من جذوره وحينئذ ـ كما تخبرنا الأدبيات المهدوية ـ يشرب الثور والسبع من حوض واحد ويخلف الراعي الذئب ليرعى الغنم في غيابه.

وليس بعيدا عن منطقة الحلم، يرى الجدليون ومنهم الراحل حسين مروة في كتابه المهم «النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية» ان نشوء فكرة المهدي في التراث الاسلامي نتجت عن هزيمة المختار الثقفي داعية الامام محمد بن الحنفية، فقد صدم الكيسانيون بهزيمتهم العسكرية ثم بمهادنة قيادتهم السياسية لكن وعيهم الاجتماعي رفض الانسحاق تحت وطأة الظروف الجديدة، فلجأ ذلك الوعي الى نفق روحي غيبي، هربا من مطاردة الشعور باليأس فالإمام الذي يشرب العسل ويمرح مع الغزلان في جبل رضوى لابد ان يعود لتحقيق تلك الأحلام المؤجلة في مخيلة الملايين.

ان جباية الاموال باسم الإمام الغائب لا تفسر وحدها القدرة الخارقة لتلك الفكرة على اختراق حجب الزمن والحضور بشكل أو آخر عند جميع الشعوب ومعظم الديانات فلا بد أن يكون هناك ما هو أهم من المال ليجند كل هؤلاء الناس حول حلم موعود.

لقد كان لدى اليهود مهديهم وكذلك عند المسيحيين، وغالبا ما يتم ربط المهدي المسلم بالمهدي المسيحي، فالقول بعودة المسيح ـ عليه السلام ـ

لنشر العدل والسلام في الأرض خلق التباسا وخلطا للمهدي المسلم، فعقيدة القرامطة التي تنسب الى كتاب منظرهم الآيديولوجي الفرج بن عثمان تجمع صورة مشوشة للمهدي تستلفها من الديانات الثلاث، فكتاب الفرج يبدأ بالاستهلال التعريفي التالي عن مهدي ذلك الزمان:

«من قرية يقال لها نصرانة داعية الى المسيح وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي وهم أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وذكر ان المسيح تصور له في جسم انسان وقال انك الداعية وانك الحجة وانك الناقة وانك الدابة وانك روح القدس وانك يحيى بن زكريا..).

ويستطيع من يريد الاستزادة من هذه الثقافة ان يذهب الى مقدمة ابن خلدون فقد فند ذلك العقل الجبار ملابسات المهدوية وناقش الاحاديث والروايات الموضوعة حولها ونسف الكثير منها لكن هذا لم يمنع ظهور ألف مهدي منذ أيام كتابته للمقدمة في قلعة نائية بالجزائر الى أيام استقالة الجنرال الجزائري محمد العماري منذ أسابيع.

من المؤكد ان الوعي الانساني قد زاد منذ الظهور الأول لفكرة المهدي قبل المسيح عليه السلام بأربعمائة عام، ولا شك ان أهل عصر الإنترنت يحتاجون الى دلائل مقنعة أكثر من تلك التي احتاج اليها أجدادهم، فإن لم يتم تقديم تلك الأدلة المؤجلة من قبل الذين يدعون ذلك الشرف الجليل عبر الإنترنت فلن يصدقهم أو يأخذهم على سبيل الجد أحد، وعندها قد تصير فكرة الخلاص على يد امام عادل مثل فكرة الخلاص على يد عادل امام.

[email protected]