المواجهة السورية ـ الأميركية في لبنان: مجرد افتراضية

TT

هل ستنعقد قضية التمديد للرئيس إميل لحود مواجهةً سورية ـ أميركية؟

سؤال يطرح بشدة في الأوساط غير الأكاديمية، وفي بعض الأوساط اللبنانية، وتحديداً تلك التي تتمنى ذلك.

نقول غير الأكاديمية، لأن أحداً من هؤلاء لا يعرف بافتراضٍ كهذا، قواعد اللعبة التي هي قواعد السياسة أصلاً، إذ تقودنا هذه المواجهة الافتراضية إلى آخر جملة اختتم بها الرئيس الراحل حافظ الأسد آخر ما قاله لباتريك سيل في كتابه المشهور: «الأسد الصراع على الشرق الأوسط»; بثلاث كلمات هي: «ليبقى الصراع مستمراً». وبهذا اختصر حافظ الأسد معادلة السياسة، فالصراع هو جوهر اللعبة السياسية، والمهم ألا يخرج الصراع عن قواعد اللعبة.

ولهذا، فإن مجرد التفكير أو التمني بإمكانية أن يتحول الصراع السوري ـ الأميركي، حول مسألة التمديد لإميل لحود إلى مواجهة، هو افتراض يخرج عن قواعد اللعبة، ولا يريد أن يفهم أن السياسة صراع. وأن أولئك الذين ليسوا طرفاً في صراع سياسي هم نكرات، سواء أكان الأمر يتصل بأفراد أم بدولهم!.

فالعلاقة السورية هي بالأصل، علاقة صراع يتأرجح بين (مكاسرة الإرادات) و(تقاسم الإرادات). فإذا كان الأمر يتصل بشأن استراتيجي في عمق المعادلة الاستراتيجية السورية، فإن قواعد اللعبة ترسم باعتبار أن الجغرافية الاستراتيجية أهم من الجغرافية السياسية; إي أن القول الفصل فيها للاعتبار الإقليمي وليس لنفوذ أو مصالح دولية.

وإذا كان البعض قد توهم أن النفوذ الدولي بات يفرض معادلاته على ما هو إقليمي ـ سياسي فهو واهم.

مفاعيل نتائج هذا الصراع بين سورية وأطراف تود أن تفرض معادلة ما هو دولي بدلاً عن، أو أولوياً على ما هو إقليمي، ستبرهن في المآل الأخير على أن القول الفصل لما هو إقليمي.

فتجربة التدخل الأميركي في العراق لا تعني تغيراً كلياً في المعادلة أو قواعد اللعبة، لأنها تجربة (ناتئة) خارجة عن السياق، ونتائجها تؤكد أن الولايات المتحدة تورطت في خطأ عندما أرادت للسياسة أن تسير على رأسها ليكون النفوذ الدولي بديلاً عن المحلي والإقليمي. وها هي تطالب الدول المجاورة للعراق، بأن تقوم بما لم تستطعه هي بالذات، سواء من حيث ضمان الاستقرار أو الأمن والحدود.

وعلى هذا، فإنها تعود إلى قاعدة: «الإقليمي يكسب». ولعل الصراع الدائر حالياً بخصوص التمديد للرئيس لحود، يأخذ شكل اختبار لحقيقة أن ما هو إقليمي له الفيصل في المعادلة عما هو دولي. وهو ما يفيد بأن الصراع لا يمكن أن يتحول الى مواجهة بالمعنى الشامل للكلمة. «ونصر على هذا التعبير»; لأن المواجهات الصغيرة هي جزء من الصراع.

إن الولايات المتحدة تدرك أن سورية مرتبطة، إقليمياً ودولياً، برزمة من القضايا التي لا تجعل إمكانية المواجهة الشاملة ممكنة: فسورية طرف في معادلة الاستقرار في المنطقة وفي عملية السلام; حتى لو كانت في عملية مراوحة وفي شبكة من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، لا تستقيم معها أية مواجهة شاملة، وهنا تكمن كلمة السر في معادلة الصراع الذي لن ينتهي إلى مواجهة واسعة النطاق.

فاللافت، أن الأميركيين يسبحون عكس التيار، لكن هذه المرة بزورق فرنسي يتناقض مع موقف فرنسا في مجلس الأمن من القضية العراقية. إذ يبدو أن فرنسا التي ثُكلت بموقف أميركي أراد إعفاءها، في الصراع حول العراق، من مكانتها كدولة عظمى، أرادت من حلاوة الروح، أن تثبت ذلك بخطأ مماثل يكرر الخطأ الأميركي في العراق، وإن بصورة أخرى لا تصل إلى حد المواجهة في لبنان.

والحال هنا، أن الخطأ الفرنسي يعكس مسألتين; الأولى، اضطراباً في السلوك الاستراتيجي الفرنسي إزاء المنطقة والعالم ومكانة فرنسا في العالم، لم نكن نتمناه لها، نظراً لمكانتها في العالم العربي، وخصوصاً في سورية.

والثانية، تطرح تساؤلاً عما إذا كانت بعض الأطراف، في فرنسا، قد تورطت في تغليب ما هو شخصي على ما هو استراتيجي في العلاقة مع سورية; ونعني أن تكون أطراف (ما) قد حرضت فرنسا على السعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن ضد سورية، للمطالبة باحترام السيادة اللبنانية، أو حتى الذهاب بعيداً لحد طلب الانسحاب السوري من لبنان، مترافقاً مع طلبات تتصل بنزع سلاح حزب الله، وما يشبه التنويه بقبول التوطين الفلسطيني في لبنان.

وبناء على ذلك، فإذا ما استمر الصراع في شكله هذا، فإنه سيكون عصياً على البعض أن يدرك أن مثل القرار، لن يعدو كونه مشابها للقرار (520)، تتعين لتنفيذه اعتبارات تتجاوز هذه اللحظات الانفعالية أميركياً أو فرنسياً; لأنه سيكون ضرباً من العبث أن تُطالب سورية بالانسحاب من لبنان ونزع سلاح حزب الله معاً.

والسؤال ينعقد (تهكماً)، عما إذا كان على سورية الخروج من لبنان قبل أو بعد نزع سلاح حزب الله، وما إذا كان أحد في الدنيا، يصدق بأن خروج سورية من لبنان، سينعقد استقراراً في ظل أزمة التوطين الفلسطيني، أو في ظل احتمال أن ترسم صورة ذلك الخروج المطلوب (كوميدياً) في مثل قرارٍ كهذا، استقراراً يمنع عودة الإسرائيليين والأميركيين إلى المربع الأول، ونعني بذلك عودة فلسطينيي لبنان إلى ممارسة نضالهم ضد إسرائيل انطلاقاً من الجنوب اللبناني، أي العودة إلى قبل عملية الليطاني عام 1989، وهو أمر سيكون بمثابة إقرارٍ بعبث كل من يفكر في خروج سورية من لبنان، قبل أن تحل القضية برزمة واحدة سورياً ولبنانياً، وعلى مستوى قضية اللاجئين.

فهذه الرزمة هي التي لا تفسح في المجال أمام التعامل مع الوجود السوري في لبنان، أو مع قضية التمديد للرئيس لحود بتلك العبثية المفرطة.

وإذا ما كان للتراشق السوري ـ الأميركي المعلن، وبعض الفئات الأوروبية الأخرى، أن يكون بمثابة جولةٍ أخرى من جولات الصراع على الشرق الأوسط، فإن هذا هو قدر السياسة السورية، لأنها في مركز الصراع. أما الذين يريدون من سورية أن تكون خارج إطار الصراع، فتستجيب، من دون أي اعتبار لمصالحها، فإنهم يطلبون منها أن تكون (نكرةً)، وأن لا يكون لها أي مكانة أو وزن إقليمي، أقله لتستعيد أرضها «من زاوية مصالحها»، أو لتحقيق الاستقرار «من زاوية مصالح الجميع بمن فيهم الأميركيون وغيرهم».

ولهذا، سيكون من العبث الحديث عن مواجهة فيها كسر عظم، بين سورية والولايات المتحدة في لبنان. ونكرر.. ليبقى الصراع مستمراً.

* كاتب سوري ورئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية في دمشق