التمديد نصر محبط

TT

بعد ان أن «كشف» اعلام القصر الجمهوري في لبنان أن سورية أفشلت عدوانا خماسيا على لبنان «شبيها بعدوان 1956 على مصر إبان عهد الرئيس الراحل عبد الناصر»، بمسارعتها في حسم موضوع الاستحقاق الرئاسي، وبعد أن اصبح للوطنية في لبنان مفهوم جديد يختصرها، عقيدة ونضالا، بالموافقة على تمديد ولاية الرئيس أميل لحود، يصح التساؤل عما إذا كانت «الجدوى القومية» لهذا النصر المتسرع تبرره.

السؤال الذي يطرح نفسه بعد مسرحية التمديد في الداخل وهمروجة التنسيق الفرنسي ـ الاميركي في مجلس الأمن لمواجهته هو: هل يستأهل قرار التمديد للحود ـ مع التقدير الواجب لمواقفه الوطنية ـ مجازفة سورية ليس فقط بتأزيم علاقتها الهشة مع الولايات المتحدة بل بخسارة صداقة فرنسا ايضا؟

لم يسبق لحسابات حقل دمشق ان تباينت عن حسابات بيدر الشرق الاوسط كما تتباين اليوم فردود الفعل الدولية، ناهيك بالشعبية، المعارضة بقوة لقرارالتمديد توحي بان المردود الدبلوماسي الطويل الأمد لهذا القرارلا يبرر المغامرة باتخاذه.

على الصعيد الدولي، فتحت دمشق من حيث لا تريد جبهة مواجهة جانبية مع الولايات المتحدة كانت في غنىً عنها في ظل الظروف الاقليمية المتأزمة في الشرق الاوسط، فقد اعاد قرار التمديد موضوع «الوجود السوري» في لبنان الى دائرة الاهتمام المباشر لواشنطن بل وفتح الباب أمامها لتدويل مطالبتها بالانسحاب السوري عبر قرار متخذ من اعلى هيئة شرعية دولية.

لو كان الرهان جائزا على تحول في السياسة الاميركية حيال الشرق الاوسط مع تبدل الوجوه في البيت الابيض لأمكن اعتبار مجازفة سورية مغامرة محسوبة. ولكن المرشح الديمقراطي جون كيري لم يبدر عنه، حتى الآن، موقف ما يوحي بمعارضته لقانون «محاسبة سورية»، خصوصا أن حزبه أيّد هذا القانون في الكونغرس بما يشبه الإجماع.

أما بالنسبة للبنان، فقد يكون المردود أدهى إذ ان اي قرار قد يصدره مجلس الأمن حول «الوجود السوري» في لبنان من شأنه اقحام لبنان في اللعبة الدولية في المنطقة وحشره بين سندان واقعه الإقليمي المستضعف ومطرقة المواجهة الاميركية ـ السورية المتصاعدة على خلفية الوضع في العراق، هذا اذا تغاضينا عن تداعياته المحتملة على الساحة اللبنانية الداخلية.

حتى الآن، ورغم كل المآخذ التي سجلتها على لبنان الرسمي سواء بداعي «تقصيره» في احتواء المنظمات التي تعتبرها «ارهابية» أو رفضه نشر جيشه النظامي على حدوده الجنوبية ، تجنبت واشنطن إدراجه على قائمة الدول الداعمة للإرهاب أو الدول المطلوبة «للمحاسبة»، ربما مراعاة لواقعه السيادي الراهن.

ولكن مغالاة بعض المسؤولين اللبنانيين في تأكيد «وحدة المصير والمسار» مع سورية في سياق إخراج مسرحية التمديد، قد تدفع بواشنطن لأن تصفي في لبنان حساباتها السورية في العراق.

وغير خاف علينا ان السعي الاميركي المحموم لاستصدار قرار من مجلس الأمن «يدين» التدخل السوري في انتخابات الرئاسة اللبنانية يتعدى موضوع لحود وشخص لحود وحتى دستور لبنان الى رغبة واضحة في تصعيد الضغوط الرامية الى تقليص النفوذ السوري في لبنان مقدمة لإزالته بالكامل.

مجال توقع تصاعد المواجهة السورية ـ الاميركية حيال لبنان يبدو واردا على خلفية لهجة واشنطن المتشددة في الآونة الاخيرة، فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية، ريتشارد بوشيه، لم ير حرجا في وصف التدخل السوري في سياسة لبنان بأنه «اهانة لسيادة لبنان واستقلاله السياسي»، وسفيرها الجديد في بيروت لم يتورع عن الكشف عن «خيبة أمل» بلاده من التطورات الرئاسية في لبنان وعن التذكير بان واشنطن وجهت «رسائل» بهذا المعنى الى سورية بالذات.

وقد يكون قرار واشنطن ايفاد مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط وليام بيرنز الى دمشق لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين حول لبنان مقدمة لفتح ملف الوجود السوري في لبنان على خلفية قرار دولي هذه المرة (في حال استصداره). من هنا مبرر التساؤل ، مجددا، عن الجدوى القومية لقرار التمديد للرئيس لحود.