لون الذل والظلم

TT

لم نرفض في صدام حسين سياسته القومية، بل خروجه عليها. ولم نرفض فيه موقفه من اسرائيل، بل انه خاض الحربين الوحيدتين في الشرق الاوسط منذ 1948 التي لم تكن اسرائيل طرفاً فيها، ولم نرفض فيه المساعدات التي قدمها الى المؤسسات الطبية او الانسانية في العالم العربي، بل تلك التي قدمها الى الاحزاب المتقاتلة في وقت واحد. ولم ننتقد النهضة الصناعية التي شهدها العراق، بل انتقدنا وقفها من اجل مغامرات الحرب والتوسع والسيطرة. ولم أكن ضد حزب البعث كما أسس بل كما جعله صدام حسين. ولم اكن ضد المهرجانات الادبية التي موَّلها، بل ضد تحويلها الى ثقافة صنمية وشعر اجتراري ونقل مبتذل.

لم اكن ضد صدام حسين لأنه سخن في لبنان على تمويل الموت لدى جميع الفرقاء. فلم يكن منفرداً في ذلك. وقد جاءنا المناضلون حتى من بلاد المغرب العربي ومعهم اكياسهم واسلحتهم واناشيد الدعوة الى الموت والتحريض على القتل. وفي النهاية خسرنا نحو 200 الف انسان، فيما عاد الجميع الى بيوتهم، لقد كنت، كل بساطة، ضد مسلك صدام حسين في العراق بالذات. ضد معاملته للعراقيين. ضد استسهاله لفكرة التعذيب والقتل والإبادة والإذلال. تعلمت منذ كنت طفلاً ان اكون مع الحرية. وتعلمت ان امي ولدتني حراً لكي اكون انساناً لا عبدا. وأردت هذه الحرية لجميع الناس. وخصوصاً لأهلي من العرب. فما النفع ان اكون حراً ووحيداً في غابة. وما قيمة حريتي ان لم تكن مشاركة ومساواة مع سواي.

خصوصاً من اجل رفعة العراقيين وحريتهم ومكانتهم وموقعهم في الأسرة الانسانية، وقفت ضد صدام حسين. وعندما كنت عاجزاً عن انتقاده، مارست حريتي بعدم امتداحه. وتعرضت بسبب هذا الموقف لوشايات ونميمة وفجور. وخسر الأزلام.

اكتب كل هذه المقدمة لأتساءل، هل وقفنا كل هذا العمر ضد صدام حسين، من اجل ان نؤيد اليوم الذين يذلون الشعب العراقي في كل مكان؟ وهل استفظعنا تذويب السجناء، والمقابر الجماعية، من اجل ان تظهر المقابر الجماعية الثورية في النجف؟ وهل اعترضنا على قمعية النظام السابق، من اجل ان نفاخر بالتنكيل والقتل والذبح الذي يتعرض له العراقيون الآن بسبب انتماءاتهم وآرائهم ومواقفهم؟ وهل كنا ضد معاملة صدام للاكراد من اجل ان نكون الآن مع معاملة الاكراد للعرب؟ وهل انتقدنا توسل صدام للروح العشائرية، من اجل ان يعود العراق الى القاعدة العشائرية وحدها من دون سواها؟ وهل استفظعنا ان يختار 4 ملايين عراقي المنفى بسبب القمع، فإذا بالعدد يزداد بسبب القتل والخوف والرعب والخوة والفلتان والابتزاز باسم المقاومة.

هل خرج العراق من عبودية الشخص من اجل ان يدخل في عبودية الجماعة؟ هل العبودية الوان ام اطياف، ام ان لها لوناً كالحاً مقيتاً واحداً لا يتغير؟ هل سقط صدام الكبير من اجل ظهور مائة صدام صغير؟ هل يعني ذلك اننا نادمون بسبب استبدال القمع المنظم بالقمع الفالت؟ لا. لا نزال نتطلع الى ربيع يحل في العراق. ولا يكون هناك ذل وطني ولا اجنبي ولا عبودية. ولا تكون يوميات العراق مذابح حتى للنيباليين.