اختطاف الصحفيين الفرنسيين.. لمصلحة من يعمل الإرهابيون؟

TT

يتابع العالم بأسره، وباهتمام شديد، تطورات حادث اختطاف الصحافيين الفرنسيين. واعتقد ان سبب ذلك لا يقتصر في القلق على حياة صحافيين يهددهما سيف الجلادين ، وهو قلق له ما يبرره بالفعل ، بل ولا يقتصر كذلك على ردة الفعل الأكثر حدة تجاه ذلك الشأن ، وإنما يعود دائما إلى كون الاختطاف والقتل يهددان صحافيين تتلخص مهمتهما في نقل صورة موضوعية عما يجري في المناطق الساخنة في عالمنا إلى الملايين من القراء والمشاهدين. هذا في الوقت الذي قام فيه «الجيش الاسلامي» في العراق باختطاف اولئك الصحافيين الذين يعملون، وحسب قول ياسر عرفات، «لصالح العراق ولصالح فلسطين». لقد اختطفوا صحافيين من فرنسا ، ذلك البلد الذي، شأنه في ذلك شأن روسيا، كان قد طالب ومنذ بداية العملية العسكرية الأميركية في العراق بضرورة الا تحيد اسرائيل عن خريطة الطريق.

والى ذلك ففي ما أشرنا اليه تفسير للسخط العارم من جانب المجتمع الدولي تجاه اختطاف الصحافيين.

ومع ذلك ، وكما اعتقد ، فقد لعب كل ذلك دوره ، إلى جانب تلك «الملامح الجديدة» التي يضفيها الارهابيون على طريقة عملهم ، والتي تغرق التنظيمات الارهابية في لجتها يوما بعد يوم. فالتنظيمات المتطرفة التي اتخذت العراق موطنا لها ، وسواء كانت فروعا لتنظيم «القاعدة» أو كانت تتعاون معه بشكل وثيق، تقتصر في نشاطها على المطالبة بجلاء الوجود العسكري الاجنبي ، وكانت تحاول تحقيق ذلك من خلال ممارسة الارهاب ضد الابرياء من البشر ، الذين لا ذنب لهم سوى انهم مواطنو ذلك البلد او ذاك ، من تلك البلدان التي استجابت لنداء الولايات المتحدة وارسلت وحداتها إلى العراق. بل ولم يراعوا في ذلك ان الكثيرين من الذين اختطفوا واعدموا ، لم يكونوا في بلدانهم من مؤيدي التدخل العسكري في الشؤون العراقية.

أما فيما يتعلق باحداث اليوم فما نشهده من تطورات يشير إلى ان الارهابيين يواصلون تصعيد مطالبهم الوقحة. فها هم ينشرون ابتزازهم على النظم الداخلية للبلدان الاخرى ، حيث يربطون بين اختطاف الصحافيين الفرنسيين ، وبين الغاء القانون الصادر حول حظر ارتداء الرموز الدينية داخل مؤسسات الدولة. (وأود هنا التركيز على ان ذلك القرار ينطبق في مؤسسات الدولة ، وليس في الحياة الخاصة ، فضلا عن ان ذلك يتعلق بكل الرموز والملابس الدينية).

واعتقد انه من اللافت للنظر ، بل من المهم ، واستطيع القول انه من الممكن اعتباره لحظة تحول هامة، انضمام العالم الاسلامي إلى القوى المعارضة لاولئك الذين قاموا باختطاف الصحافيين الفرنسيين. ولنبدأ باتخاذ الطائفة الاسلامية الفرنسية ، أي تلك القوى التي يحاول الارهابيون الدفاع عنها ، لموقف بالغ الوضوح يدين هذا العمل. فقد افصح عن ذلك رئيس اتحاد المنظمات الاسلامية الفرنسية متحدثا باسم خمسة ملايين من الفرنسيين. وكان قد رد على سؤال ، حول استعداده للموافقة على التخلي عن ارتداء الحجاب في المدارس ، والالتزام بالقانون الفرنسي بقوله: «اننا لا نوافق على هذا القانون لكننا نحترمه. وعلى كل الاحوال فان هؤلاء الناس في العراق لا يعرفون أي شيء عما يعنيه الاسلام في فرنسا. ولذا عليهم عدم التدخل في شؤوننا الداخلية» ، فيما طالب كذلك ، بسرعة الافراج عن الصحافيين الفرنسيين ، عبدالاله بلقزيز الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي ، التي تضم بين صفوفها 55 من البلدان الاسلامية ، كما طالبت بذلك جماعة الاخوان المسلمين ، اكبر التنظيمات الاسلامية المصرية ، فيما دعا رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات كل مواطني العراق وكل المنظمات، الرسمية والسرية، إلى سرعة العمل من اجل الافراج عن الصحافيين الفرنسيين.

بل ولم يبق بعيدا عن مثل هذا الموقف كل من يحمل السلاح دفاعا ضد الاحتلال في العراق. وقد طالب مقتدى الصدر زعيم «جيش المهدي» الارهابيين بالافراج عن الرهائن. ووصف الصدر اختطاف الصحافيين الفرنسيين عملا «لا أخلاقيا وغير انساني». واعلن ممثله في بغداد على الياسري:« ان مثل هذه الاعمال تلقي بظلال الشك على الاسلام والمسلمين». فيما أضاف ان «قتل المدنيين والصحافيين عمل مخجل».

ودعا عمرو موسى الامين العام للجامعة العربية الخاطفين إلى ضرورة عدم نسيان ان احترام حياة الانسان يعتبر«اساس العقيدة الاسلامية». وكان عبد الحميد بلقزيز الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي اكثر تحديدا حين قال: «ان مثل هذه الاعمال تلحق الضرر بالاسلام وبالمسلمين في كل انحاء العالم».

ومن جانبي اضيف ان هؤلاء يلقون بمياههم على طاحونة ، ما يعني، وحسب المثل الروسي، انهم يخدمون مصالح تلك القوى التي تشن حملاتها المعادية للاسلام بمحاولاتهم الرامية إلى تقسيم العالم بموجب مبدأ الحضارات والاديان. ومن هنا لا بد من مواجهة مثل هذه المحاولات بشتى السبل لأن ذلك من مقتضيات ونداءات القيم في عالمنا اليوم.

ولعله من المناسب التوقف هنا ايضا مع مأساة اخرى استهلت فصولها ، وأنا على وشك الانتهاء من كتابة هذا المقال، وأعني اقتحام الارهابيين لمدرسة في بيسلان ، احدى المدن الروسية الصغيرة ، واحتجازهم كرهائن عددا من الأطفال ، وبينهم صغار من تلاميذ الصفوف الاولى مع ذويهم ومدرسيهم . إن مثل هذا الحادث الذي لا مثيل له من حيث القسوة والوقاحة ، لم تكن فصوله قد انتهت ، بعد لحظة الانتهاء من كتابة هذه السطور ، ولذا اكتفي بالاشارة إلى ما قاله العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في لقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين :« اننا في العالم الاسلامي ، وفي كل انحاء العالم عموما ، نقف إلى جانبكم الان ، حيث تجري هذه المأساة المريعة نتيجة اختطاف اطفال ابرياء كرهائن ، وقد صاروا ضحية مثل هذا العمل الارهابي الفظيع». ومن هنا فتحالف كل قوى العقل في النضال ضد الارهاب ، يصبح ضرورة حيوية بالغة الاهمية بالنسبة لكل البشرية.

* رئيس الحكومة الروسية الاسبق ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»