كيف أثر 11 سبتمبر.. على مناخ العمل الإسلامي؟

TT

بصرف النظر عن عدم وجود أدلة مؤكدة عن المرتكبين الحقيقيين لحادث 11 سبتمبر، وبصرف النظر إن كانوا من العرب والمسلمين أو من غيرهم، فقد انتهزت الادارة الأميركية الحالية فرصة وقوع الحادث، وقامت بخطف المجتمع الأميركي، بل وخطف المجتمع الدولي في محاولة للسيطرة والهيمنة على العالم بأسره. واعتمدت في ذلك استراتيجية جديدة، قوامها أن الولايات المتحدة الأميركية، هي وحدها المسؤولة عن أمن العالم وحريته، وهي مصدر القيم الوحيدة، ومن ثم فسوف تعمل على فرض قيمها، طوعاً أو كرهاً، في كل أرجاء العالم من خلال عملية تغيير واسعة المدى، سياسية واقتصادية واجتماعية. وأن الولايات المتحدة لن تسمح بتحدي تفوقها العسكري العالمي، وأن قدراتها العسكرية ستكون قوية بما يكفي لمنع أي منافسين محتملين لها، وأنها لن تتردد بالتصرف وحدها، إذا دعت الضرورة، لممارسة حقها في الدفاع عن النفس، واستباق «مجرد التفكير» في الهجوم عليها بهجوم وقائي، وأنها سوف تتبع الارهاب، أينما حل أو وجد، لتستأصل شأفته، وأن الدول التي تؤوي الارهاب لن تكون بمنأى عن ذلك.

وقد أعلن بوش أنها سوف تكون حرباً صليبية. نعم هو اعتذر عن هذا بعد ذلك، لكن الكلمة أخرجت ما بخبيئة نفسه، وما يدور في عقله ووجدانه تجاه العرب والمسلمين، وصدقت الأيام والممارسات ما قاله عفواً ومن دون تفكير. فقد قامت الادارة الأميركية بغزو أفغانستان واحتلال العراق، وذلك من دون مراعاة أو اعتبار للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، وازاء ذلك قامت مظاهرات مليونية في أنحاء شتى من العالم، تعلن احتجاجها ورفضها لهذا الاعتداء الصارخ على الشرعية الدولية، والعودة إلى شريعة الغاب، واعتماد الفلسفة الداروينية «البقاء للأقوى» في العدوان الهمجي على الآخرين.

وانتهز الكيان الصهيوني فرصة حادث 11 سبتمبر لكي يعلن عن تعرضه هو الآخر للارهاب (من قبل المقاومة الفلسطينية)، كما تعرضت الولايات المتحدة، ومن ثم فقد حق له أن يدافع عن نفسه وأمنه (!).. ولم تبخل الادارة الأميركية بالدعم الكامل، مادياً ومعنوياً، واعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني الذي انطلق في مجازره الوحشية واعتداءاته البربرية، وأعمال التصفية والإبادة في حق الشعب الفلسطيني، فضلاً عن حصار الجوع والموت وتجريف الأراضي وهدم المنازل، وإقامة المزيد من المستوطنات، إضافة إلى الجدار العازل العنصري. وكان من جراء ذلك استشهاد الكثير من القيادات الفلسطينية، وفي طليعتهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وغيرهما. وقد ألهب هذا شعور الغضب لدى الشعوب العربية والاسلامية، ليس فقط ضد الكيان الصهيوني ولكن أيضاً ضد الادارة الأميركية.. فقامت مظاهرات كبرى في كل الأنحاء تستنكر أعمال الاغتيال، وتنعي على الحكومات والأنظمة العربية عجزها وفشلها واستسلامها لما يحدث على الأرض العربية والاسلامية. لكن الشعوب الحية في أفغانستان والعراق وفلسطين انتفضت تقاوم الاحتلال، على أساس أنه جهاد مشروع، أكده الإسلام وكفلته القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.

من ناحية أخرى، فإن بعض أعمال العنف التي وقعت في مناطق مختلفة من العالم العربي، والتي أدناها واستنكرناها بشدة، هي إحدى نتائج السياسة الأميركية تجاه العرب والمسلمين.

وفي أعقاب 11سبتمبر تعرض العرب والمسلمون، في أميركا وأوروبا، إلى التوقيف والاعتقال والتفتيش والتنصت ومداهمة البيوت، وما إلى غير ذلك من انتهاكات شديدة لحقوق الإنسان. وضاعت الحريات في البلد الذي يضم تمثال الحرية. وغاب القانون في البلد الذي يتغنى بسيادة القانون. وتحولت أميركا إلى دولة من دول العالم الثالث. وفي ظل الاعتداء الأميركي المحموم على العرب والمسلمين، قامت جماعات أميركية باعتداءات صارخة على المساجد وعلى أفراد من الجاليات العربية والاسلامية هناك. ووصلت الكراهية في معاملة النساء العربيات والمسلمات في المطارات وفي غيرها، الى طريقة عنصرية مهينة جداً ولا توصف. من ناحية أخرى، فقد دفعت هذه الحملة على المسلمين المواطن الأميركي والأوروبي الى طرح سؤال: لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد ؟ وهو ما جعلهم يهتمون بالاسلام والحركات الاسلامية عموماً. وهو ما جعل أيضاً كثيراً من مراكز الدراسات والبحوث الأميركية والعالمية توجه نشاطاتها الى التعرف على ماهية الحركات الاسلامية، وأوضاعها وأفكارها وتوجهاتها وتأثيراتها في بيئاتها.

ولاشك أن ما ارتكبته القوات الأميركية والبريطانية، من فظائع وبشائع وسادية وشذوذ في حق السجناء العراقيين في سجن أبوغريب وغيره، مما يندي له جبين الإنسانية، كان بأمر مباشر من رامسفيلد نفسه وزير دفاع الولايات المتحدة وبتخطيط مسبق منه، مما يؤكد على حدة الكراهية والبغضاء التي يكنها المحافظون الجدد والادارة الأميركية للعرب والمسلمين. ولاشك أيضاً أن ما فعلته الادارة الأميركية تجاه الأفغان والأفغان العرب في سجن جوانتانامو، يكشف عن عنصرية بغيضة واجرام لا يتصور، غابت عنه أبسط قواعد حقوق الانسان، كل ذلك كان له أثره البعيد المدى على مشاعر الكثيرين من العرب والمسلمين.

وقد واكب غزو أفغانستان واحتلال العراق، هجوم الادارة الأميركية على الأنظمة والحكومات العربية، والقاء اللوم عليها واتهامها بأنها المتسببة، من خلال سياساتها، في تفريخ الارهاب الذي تجرعت الولايات المتحدة الأميركية مرارته، وأنها، أي الأنظمة، إن لم تسع الى تغيير هذه السياسات وتطوير أساليبها الاعلامية والثقافية، وتنقية مناهجها التعليمية والقيمية، بما يتفق والمصالح الأميركية، فسوف تتدخل هي بالقوة، كما هاجمت، ولا زالت تهاجم، رموز وعلماء الاسلام الذين أيدوا مقاومة المحتلين، وأجازوا العمليات الاستشهادية، وحاولت في كل ادعاءاتها أن تربط بين الاسلام كعقيدة وشريعة من جانب، والعنف والارهاب من جانب آخر.

ومن خلال ما تم، حتى الآن، على المستوى الاعلامي والثقافي والتعليمي، تبين بوضوح وجلاء أن المشروع الأميركي ـ الصهيوني، يستهدف تركيع الأمة، وتوهين عقيدتها وسلخها من هويتها وتذويب خصوصيتها الثقافية، وطمس معالم تراثها الحضاري وتفكيك المنطقة العربية، حصن الاسلام، واعادة رسم خريطتها من جديد. واذا كانت المهمة الأساسية التي يضطلع بها هي ضرب الاسلام المقاوم، أو محاولة احتوائه أو العمل على تهميشه، فقد عمد الى دعم العلمانية، والتأكيد على ضرورة فصل الدين عن الدولة، وأن ذلك هو السبيل للنهوض والتقدم والرقي، إضافة إلى محاولته تكريس الطائفية والعرقية والمذهبية، وتمزيق الروابط وتشجيع الخلافات، واثارة الفتن والاضطرابات، بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً عن استقطاب بعض الفئات من داخل المجتمع المسلم، ودفعهم لتشتيت الطاقات وبعثرة الجهود.

ولعلنا لا ننسى ذلك الحشد من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، من الذين اجتمعوا في القاهرة بهدف مناقشة تغيير أو تطوير الخطاب الديني، ولقد طالب البعض منهم، وللأسف، بتفكيك المؤسسات الدينية، ومنهم من نادى بتحرير العقل والوعي الاسلامي من قواعده وغير ذلك كثير. وقد قامت بعض الحكومات بحل الكثير من مجالس ادارات الجمعيات الأهلية، التي يتولاها الاخوان المسلمون.

* النائب الأول للمرشد العام للاخوان المسلمين بمصر