اقرعوا هذه الأجراس لبوش وبوتين أولا.. ثم لـ «بن لادن»!

TT

مرت ثلاث سنوات على تلك الأحداث المروعة يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والتي وحدت العالم في أجواء من الرعب والصدمة. فخلال ساعات وعد الملوك والرؤساء والدول والجيوش والزعماء من سائر الأديان أميركا الحزينة بأنهم سيفعلون كل ما في وسعهم لمكافحة الإرهاب، والانضمام الى الحملة ضد المتطرفين الذين ارتكبوا المذابح بحق المدنيين الأبرياء بذلك المستوى.

وبعد حربين وعمليات أمنية واسعة وزيادة هائلة في الاستخبارات والشرطة وتشريعات الطوارئ، يبدو أن الحرب ضد الإرهاب بعيدة عن تحقيق هدفها. فمن بالي الى اسطنبول، ومن مدريد الى موسكو، يتضح أن المتطرفين المرتبطين بالقاعدة نفذوا أعمالا إرهابية كبرى، أدت الى مصرع المئات، وجرح الآلاف وخلق الخوف والدمار لدول تعتقد أنه ليست لديها علاقة بوزارة الدفاع أو البرجين التوأمين في نيويورك. والى ذلك فقد شهدت فترة الثلاثين يوما الماضية مصرع أشخاص، بعمليات تفجير أو هجوم، أكثر من أي شهر خلال السنوات الثلاث الماضية بما في ذلك أرقام الضحايا العالية في صفوف القوات الأميركية في العراق، حيث يجري ما معدله 70 هجوما في اليوم على القوات الأميركية، دعك من الرعب الذي لا يمكن تخيله، لأكثر من 300 طفل ومعلم، أخذوا رهائن وقتلوا في المجزرة الدموية اللاحقة في بيسلان.

والسؤال الذي يهيمن الآن ليس على الانتخابات الأميركية فحسب، وإنما أيضا على المشهد السياسي في كثير من الدول الغربية هو: هل يمكن تحقيق النصر في الحرب ضد الإرهاب؟ وإذا لم يكن هذا ممكنا فلماذا ترى الدول الديمقراطية وجيوشها أن من المستحيل إلحاق الهزيمة بمفجري القنابل؟

والجواب البسيط هو أن الإرهاب لا يمكن أن يهزم بحرب. إن التفجيرات الانتحارية هي رد فعل الضعيف ومن يحتاج الى التفوق العسكري بإلحاح، فيما يمكن لمعلومات استخباراتية أفضل، وقوانين أكثر صرامة على غسل الأموال، ومراقبة أوسع، وتعاون أفضل بين أجهزة الشرطة في مختلف أنحاء العالم، والحذر الشامل، يمكن لكل ذلك أن يؤدي الى تأثير، في مقابل حدوث الكثير من الهجمات الإرهابية خلال السنوات الثلاث الماضية، وتأثيرها على عمل شبكات، فيما اعتقل متعصبون وكشف عن متطرفين دينيين ممن يمارسون الشر. ولكن والى أن تجري معالجة القضايا السياسية الأساسية، وما لم تجد المجتمعات المضطهدة والشعوب المقموعة طرقا شرعية لتأكيد حقوقها، وما لم يجر رفض الآصرة بين العنف والدين بشكل شامل، خصوصا من جانب المليار مسلم في العالم، فان الإرهابيين سيظلون يجدون دعما لقضيتهم ومتطوعين لارتكاب مذابحهم.

ومن الواضح على أي حال، أن هناك ارتكابا لأخطاء خطيرة منذ توعد الرئيس بوش بهزيمة «القاعدة». وأول هذه الأخطاء هو اعتبار الحملة كحرب. فهي ليست بحرب. إن الحملة يجب أن تكون أكثر اختيارية، وتشن في سرية، وتركز بمحدودية أكثر وتنفذ بالتعاون وليس بالمواجهة مع العالم الإسلامي، حيث، وللأسف، ولكن بطريقة غالبة، يأتي من ذلك العالم الإسلامي معظم الإرهابيين. إن العمليات العسكرية التقليدية يمكن أن تكون ذات نتيجة عكسية. فالولايات المتحدة وحلفاؤها قد حققوا نصرا سريعا في أفغانستان، ولكن هذا النصر فارغ مع الفشل في إعادة بناء الدولة، والفشل في منح الشعب الأفغاني الممتن حياة أفضل، والفشل في أن يوضع في الحسبان الطبيعة القبلية والدينية لمجتمع يقدم لـ «القاعدة» وطالبان المزيد والمزيد من الفرص للعودة. والأكثر من ذلك، فإن إصرار الولايات المتحدة على تحويل الأموال والموارد من الحملة المضادة للإرهاب الى حرب ضد العراق قد باعدت العديد من حلفاء أميركا، وأضاعت الوقت في بحث غير مثمر عن أسلحة الدمار الشامل، والأكثر عبئا من كل ذلك، فشلها في الاستفادة من السعادة العراقية الحقيقية لإسقاط صدام حسين، بتبرير الاحتلال على أرض الواقع. ففي ظل عهد صدام، لم يكن العراق مركزا للإرهاب، والآن أصبح كذلك، مع رحيل كل مجاهد معاد لأميركا الى العراق لقتل الأميركيين والقضاء على محاولات استعادة الأوضاع الطبيعية.

والخطأ الثاني، يكمن في الفشل في مواجهة الظلم السياسي، ولا سيما في فلسطين والشيشان. فرفض بوش ممارسة الضغط على الإسرائيليين لتنفيذ خطة الطريق، وفكرة بوتين الواهمة بالقضاء على الشيشان عن طريق القوة، منح المتطرفين الفرصة لهزيمة المعتدلين السياسيين، ومنح مصداقية كاذبة للانتحاريين الفلسطينيين والمسلحين الشيشان.

والخطأ الأخير هو تشويه صورة دين بأكمله هو الإسلام، عن طريق هؤلاء الذين يعتبرون قادته الآباء الروحيين للإرهاب. ويعتقد العالم الإسلامي انه مهدد من ظاهرة الإسلاموفوبيا، ويعتقد أيضا أن عليه القتال للدفاع عن نفسه. وقد حاول القادة الغربيون فرض التسامح، ولكن المجتمعات الغربية أصبحت أكثر وأكثر عداوة لكل الأقليات الإسلامية. وجزئيا يتحمل القادة المسلمون المسؤولية. فقد رفضوا، حتى الآونة الأخيرة، إدانة رجال الدين المتطرفين الذين يبشرون بالكراهية والجهاد. وقد خلطوا ما بين الإرهاب والنزاع المشروع. كما قضوا على الحركات الديمقراطية في بلادهم مما أدى الى زيادة الإحباط الشعبي. وفشلوا في رؤية أن أي تسامح للنشاط الإرهابي سيؤدي الى زيادة مخاوف الغرب والشك في كل المجتمعات الإسلامية.

ولسوء الحظ فإن «القاعدة» وحلفاءها فهموا بسرعة كيف يستغلون وسائل الإعلام لنشر المخاوف والحصول على احترام بدافع الخوف من الجماهير. فالمواطن الاندونيسي أو الباكستاني العادي يعلم أن كل واقعة إرهابية تبعد المزيد من الاستثمارات وتجعل بلادهم أكثر فقرا، ولكن عددا قليلا من القيادات السياسية تبدو مستعدة لإدانة الإسلاميين. ويبدو أنهم يخشون من أن هجوما على تحريف الدين لأغراض سياسية سيجعلهم يبدون مسلمين مساكين بالنسبة لمجتمعاتهم، ويقلل من قيمة وحدة وموقف الإسلام، وقد فشلوا تماما في فهم كيف أن أميركا غاضبة أو أوروبا حائرة ستضطر للرد على أي هجوم على شعوبها أو حرياتها.

إن الصورة قاتمة، ولا توجد حلول سريعة. إن الحوار والتعليم والتحديث هما الطريق الوحيد لتغيير المفاهيم، ولكن ذلك يستغرق وقتا طويلا والكثير من الأموال. ويتمكن الإرهابيون من تغيير الأشياء بطريقة أسرع، ويبدو أن تصرفاتهم تؤدي إلى نتيجة. إن الغرب في حاجة لأن يظهر للعالم الإسلامي انه على استعداد للتصرف بطريقة عادلة، في التجارة والسياسة وحقوق الإنسان والإعلام. كما أن العالم الإسلامي في حاجة الى فهم أن الإرهاب في النهاية ربما يؤدي الى خطف وتدمير دين كان له في يوم من الأيام سجلا أفضل من التسامح أكثر من أي دين آخر. وبالطبع فإن الحملة ضد الإرهاب يجب أن تستمر ويجب مواجهة الأشرار، حتى ولو بالقوة. غير انه يجب على الشرق والغرب الانضمام معا في المعركة وعدم السماح للإرهابيين بفرض أجندتهم.

* صحافي بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط ومحرر التعليقات السياسية في صحيفة «التايمز»