لوذعية الإجباري

TT

تعرضت يوم أمس لعبقريات الجندي الإجباري في تدبير معيشته بأقل ما يمكن. وانتهزت هذه الفرصة لأعبر عن رأيي بأن التجنيد الإلزامي كان من أسوأ خطوات العهد الملكي، ويا ليت حكومة ياسين الهاشمي استمعت لنصيحة محمد رضا الشبيبي، عندما قال لهم ان ما يحتاجه العراق هو التعليم الإلزامي، وليس التجنيد الإلزامي. فمن الواضح في هذا العصر أن الدول تتسلح بالعلوم والتكنولوجيا لا بالهرولة وحمل البندقية، ولا فائدة من الجندي الإجباري والاحتياط، أمام الجندي الممتهن والمتعلم، وآمل من العراق الجديد أن يتعظ مما قاله شيخنا الكبير الشبيبي رحمه الله.

لا أدري لماذا لم تتكرم الحكومات السابقة على الجندي الإجباري بتذاكر سفر مجانية على الأقل، تساعده على زيارة أهله وقضاء حاجاته. هكذا اضطر الإجباريون على القفز والنط من عربة إلى عربة، ومن العربة إلى الأرض قبل دخول المحطة تهرباً من مفتش التذاكر، أو ما كانوا يسمونه بهلع بالتيتي.

أخذ أحدهم، العريف ابو حسين يتوجس شراً من القفز من القطار في كل مرة، فلاحظ ان جنديين آخرين لا يقومان بذلك. فخطر له ان يستأنس برأيهما. قالا له، نحن لا نكلف نفسنا هذه المخاطرة. حالما يدخل التيتي إلى العربة يسرع بعض الجنود للاختباء في المرحاض. ولكن التيتي أصبح يعرف ذلك. فحالما يرى مرحاضاً مشغولة يطرق على بابها ويسأل عن التذكرة.

قال أحد الجنديين للرفيق السائل، ما نفعله نحن هو اننا نشتري تذكرة واحدة. وعندما يأتي التيتي للتفتيش نهرع كلانا للمرحاض ونقفل الباب. يأتي المفتش ويطرق عليها، فندفع له التذكرة من تحت الباب، يفحصها ثم يعيدها لنا، متصوراً ان من في المرحاض رجلا واحدا. ثم نعود لمقاعدنا بعد أن يكون قد خرج من العربة. وهكذا نسافر بتذكرة واحدة بدلاً من تذكرتين. ونقتسم الفرق. الإنسان ما يصح يطمع أكثر من اللازم.

استمع ابو حسين لكلامهما فاستحسنه وعاد إلى مكانه. بعد قليل جاء التيتي منادياً «بطاقاتكم يا شباب!». هرع الجنديان كعادتهما واختبآ في المرحاض. أسرع أبو حسين لتلك المرحاض وطرق على الباب منادياً بنبرة التيتي؟ بطاقتك رجاء. فدفع الجنديان بالبطاقة من تحت الباب كعادتهما. التقطها أبو حسين ووضعها في جيبه، وسار مسرعاً وانتقل إلى العربة الأخرى.