طريقتان لمواجهة «الارهاب» في العراق

TT

الجدل الدائر حول كيفية إدارة الأزمة في العراق لا يدور بين الصقور والحمائم، بل يدور داخل مجموعة الصقور ذاتها بين دعاة التدرج ودعاة المواجهة. ويقول دعاة التدرج إنه من الجنون أن نقتحم المدن التي يسيطر عليها الإرهابيون ومحاولة تطهيرها باستخدام أعداد ضخمة من القوات، وذلك لأن الضربة الأولى ستكون من الدموية بحيث تولد رد فعل سياسيا بالغ العنف، فيما سيواصل الإرهابيون القتال ما دامت هناك مناظر تتفطر لها القلوب من الأطفال القتلى الذين تنقل صور جثثهم القنوات الفضائية العالمية.

سيقاتلون وسيتبخرون في الهواء ليشعلوا معركة أخرى في يوم آخر. وإذا استولت الولايات المتحدة على الفلوجة، مثلا، بعد تدميرها، سنجد أننا لا نملك القوات الكافية للسيطرة على المدينة، مع مواصلة مطاردة الإرهابيين في الأماكن الأخرى. وسينتهي بنا الأمر إلى اخلاء المدينة كما فعلنا في أماكن أخرى، وسيعود الإرهابيون إلى السيطرة عليها من جديد. وسنكون بذلك قد عدنا إلى المربع الأول وكأننا يا عمرو لا رحنا ولا جينا.

ويقول دعاة التدرج إن هناك أسبابا تجعل مكافحة حركات التمرد تستمر لعقد من الزمان أو أكثر. فمثل هذه الحروب لا يمكن إحراز النصر فيها إلا عن طريق الضغط البطيء والمتواصل. والطريق الأقوم هو أن نعطي بعض الوقت لتكوين وتدريب قوات أمن عراقية، ونعطي رئيس الوزراء المؤقت، إياد علاوي، فرصة كافية ليكون سندا شعبيا معاديا للمقاومة.

ويشير التدرجيون إلى ما حدث في النجف باعتباره النموذج للكيفية التي ينبغي أن تسير عليها حرب العراق. ففي البداية أعلن علاوي شروطا متشددة: على رأسها أن ميليشيا مقتدى الصدر ينبغي أن تدمر، ثم قام آية الله علي السيستاني بالتوسط للوصول إلى اتفاق أدى إلى بسط سلطة الحكومة المؤقتة. والآن يمكن للمساعدات التنموية أن تتدفق على النجف من جديد. فهناك مساعدات تصل قيمتها إلى 6 ملايين دولار وصلت بالفعل، كما أن هناك 37 مليونا في طريقها إلى المدينة.

ويقول التدرجيون إن النجف أثبتت أنه من الممكن تهميش المتطرفين وعزلهم وتعبئة الأغلبية المسالمة. والواجب الآن أن نبني على هذا النجاح في المدن الأخرى وأن نسحب من الإرهابيين بالتدريج الملاذات الآمنة التي يحصلون عليها الآن.

أما دعاة المواجهة، فلا يصدقون أن مجموعة بوش تشن حربا على الإرهاب، تتصف بالحساسية والحذق. فعندما تتحرك الولايات المتحدة بهذا البطء فإنها تسمح لجيوش الإرهابيين بالنماء والتمترس. وعليه فإن الإرهابيين يجدون الفرصة للتكاثر والتعزيز والمنعة بتواطؤ من قبل الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك أنه لا يوجد سبب واحد يجعل نموذج النجف ينجح في المدن السنية، لأننا لا نعرف الإنشقاقات الداخلية ولا نستطيع بالتالي استغلالها، ولا يوجد سيستاني سني للتوسط والحسم في اللحظات المناسبة.

في المدن السنية يمكن لمن نسميهم المعتدلين أن يعقدوا صفقات مع علاوي، ولكنهم يخرقون هذه الإتفاقات بنفس السرعة التي يبرمونها بها. وإلا فإن الإرهابيين سيحصدون رؤوسهم. وعلى سبيل المثال فإن أعضاء لواء الفلوجة الذي كان مفترضا أن يستولي على المدينة من الإرهابيين، سرعان ما انحاز إليهم.

وتصيب العراقيين خيبة أمل كبيرة لأن الأوضاع لا تنبئ بأنها ستستقر قبل موعد إجراء الإنتخابات العامة، ولانه بدون سيادة الأمن لا يمكن أن تكون هناك تنمية اقتصادية، ولن تواجه البلاد سوى مزيد من الشقاء ومزيد من الإرهاب. والقوات الأميركية هي الأخرى محبطة لأنها تريد عند مواجهة العدو أن توجه له ضربات موجعة.

التدرجيون هم أصحاب الغلبة داخل إدارة بوش. وعندما يتحدث المسؤولون عن الأوضاع في العراق، فإنهم يركزون على أن الوضع القائم مقصود ومتعمد. وأنه سيستمر حتى الإنتخابات في يناير (كانون الثاني)، بل سيستمر بعد ذلك. ولكنهم عندما يواجهون ضغطا يحاولون إيجاد مساومة ما، مركزين على الحلول السياسية في أماكن مثل مدينة الصدر وعلى المنهج العسكري في الفلوجة.

ومن المحزن أن نعي الحجج القوية التي يمكن أن تثار ضد أي من المنهجين. ولكن الحجة القوية في صالح المنهج التدرجي. وهذا لأن أشخاصا مثل علاوي يستحقون إعطاءهم فرصة ليحققوا النجاح.

* خدمة «نيويورك تايمز»