..بل وبالقرارات الدولية.. حان وقت الضغط على سورية

TT

يتعرض الطموح الكبير الذي راود الرئيس بوش، في هزيمة الإرهاب في الشرق الأوسط، وتعزيز النزوع الديمقراطي في المنطقة، لامتحان عسير في العراق وإيران والأراضي الفلسطينية. وربما يبدو الوقت غير مناسب لتخطو الإدارة الأميركية خطوة جديدة في الشرق الأوسط. ولكن الأمر ليس كذلك في حقيقة الأمر. إن المهمة المطروحة حاليا هي الضغط على سورية لإنهاء تحكمها القاسي في الشؤون اللبنانية والذي استمر عقودا طويلة. فتخليص هذا البلد العربي الصغير، المكون من المسلمين والمسيحيين، وتمكينه من تطوير نظام ديمقراطي مستقل، قد يكسو رؤية بوش حول إعادة صياغة الشرق الأوسط خلال جيل واحد لحما وريشا.

وفي وقت يبدو فيه النصر بعيد المنال في ما يتعلق بقضايا المنطقة الكبرى، فإن اللحظة تبدو ملائمة لممارسة ضغط عالمي متناسق على النظام البعثي في دمشق. كما أن حكومة الرئيس بشار الأسد تغري الآخرين بمعاقبتها لقاء الشرور التي ما تزال تدبرها على حدودها مع العراق.

وقد تضاءل النفوذ السوري في العالم بعد رحيل حافظ الأسد الذي جمع بين الطغيان والحصافة، فيما خيب الأسد الابن آمال الزعماء الغربيين ، مثل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بفشله في تبني مناهج جديدة، أو وضع كوادر جديدة بدل الحرس القديم، المتشبث بالحياة رغم ضعفه وتهالكه. وكان الأسد الكبير يبدي حرصا غير عادي للحفاظ على التوازن بين واشنطن وباريس، معطيا انطباعا بأنه يتحرك على مسار السلام مع إسرائيل، أو تقديم مزايا أخرى للبلدين، عندما يضطر إلى ذلك، مقابل السماح له بالتصرف الحر في لبنان. ولكن النظام السوري الجديد لا يعبأ بمثل هذه اللطائف والتفاصيل، إنه يفرض قبضته على لبنان بطريقة فظة وسافرة، مما يوحي بعدم التوازن داخل السلطة في دمشق. فبعد أكثر من ربع قرن من دخول القوات السورية إلى لبنان، «مؤقتا» لتضع حدا للحرب الأهلية واستعادة الاستقرار، ما تزال هذه القوات باقية حتى الآن دليلا على صحة مقولة نابليون حول أنه لا شيء يدوم مثل « المؤقت». هذا الاحتلال الذي حدث بموافقة إدارة فورد والدول الغربية الأخرى، لم يعد يفيد أحدا باستثناء أمراء الحرب والسياسيين السوريين الذين يجنون من ورائه أرباحا طائلة.

الانحراف الذي لحق بطبيعة الاحتلال بدوران الزمن، هو السبب في الصرخة الحادة التي صدرت عن النظام السوري للمبادرة الأميركية ـ الفرنسية المشتركة، المقدمة لمجلس الأمن القومي، يوم 2 سبتمبر (أيلول)، والتي تطالب سورية، من دون أن تذكرها بالاسم، بسحب قواتها البالغة 20 ألفا من لبنان، والكف عن التدخل في الشؤون اللبنانية. وقد كان التصويت على القرار 1559، بـ9 أصوات مقابل صفر، مع امتناع ست دول، من بينها روسيا والصين والجزائر عن التصويت.وهذه مواقف مهمة جدا من هيئة ظلت تصدر عنها الاتهامات الغاضبة من الدول العربية التي تتهم إسرائيل بعدم تنفيذ قرارات المجلس حول الشرق الأوسط. وللمرة الثانية خلال هذا الصيف، تقف دولة عربية على الجانب الخطأ في قرارات المجلس. وقد كان السودان هو السابق في هذا الشأن، فضلا عن أن القرار حول سورية يتعلق باحتلال عسكري.

أما السبب المباشر لصدور هذا القرار، فهو المناورات المكشوفة التي قام بها الرئيس الأسد لدعوة البرلمان اللبناني لتجاهل الدستور، وتمديد الفترة الرئاسية التي امتدت ست سنوات لحليفه إميل لحود، لثلاث سنوات أخرى. وعندما قبض على الأسد متلبسا بالتدخل في شؤون لبنان، لم يشعر بالخجل أو العار، بل شاء أن يتصرف من مواقع الاستعراض المدمر، فقام مباشرة باستدعاء القادة البرلمانيين اللبنانيين إلى دمشق، وأمرهم بتغيير الدستور للتمديد للحود، على أن يفعلوا ذلك خلال 24 ساعة. ولأن البرلمانيين كانوا يرغبون في مواصلة الحياة، فقد نفذوا ما طلب منهم. وأعلن السوريون بعد ذلك أنهم سيضاعفون عدد قواتهم في لبنان لتصل إلى 40 ألفا بنهاية هذا العام. وهكذا يتعاملون مع الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي.

وبعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي، وعلى سبيل المتابعة والتصعيد، أرسلت واشنطن مساعد وزير الخارجية بيل بيرنز إلى دمشق، والذي أعلن للصحافيين، وبعد مقابلته للأسد، أكد أن « سورية يجب أن تنهي تدخلها في الشؤون الداخلية للبنان.... والمهم الآن هو تحقيق تقدم حقيقي في هذا الاتجاه، وليس الخطابيات من أي نوع». ولا بد أن حافظ الأسد، الذي تسمر أمامه أربعة رؤساء أميركيين، وأكثر منهم من وزراء الخارجية والصحافيين، لسيطرته على الاجتماعات المشتركة بالصمت والصلابة، قد تقلب في قبره وهو يرى ابنه يتعرض للتوبيخ من موظف في الخارجية الأميركية. وربما يكون بيرنز قد سبب قلقا وزعزعة للنظام في دمشق، أكثر مما سببته وكالة الاستخبارات المركزية و«إم آي 6» مجتمعتين. ومن هنا، فإذا ما استطاع بوش أن يطور مبادرته اللبنانية، فإنه ربما ينفث روحا جديدة في مبادرته الأكبر حول الشرق الأوسط، والتي تجمدت منذ أن تبنتها مجموعة الثماني في قمتها في يونيو (حزيران) الماضي. وفي ظل التحديات العنيفة في العراق وفي غير العراق، فإن واشنطن تفعل خيرا إذا لم تصرف أنظارها عن لبنان الصغير الواسع الحيلة، وسورية الكبيرة المهيمنة.

* خدمة مجموعة كتاب واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الأوسط»