هل خرج 11 سبتمبر من « جراب الحاوي» الاميركي

TT

ما زلت اؤمن بأنه حين يتطلب الأمر الحديث عن الشأن الأميركي ، فلابد في المقام الأول التطلع الى الداخل الأميركي، خاصة حين يصدر من مثقفين ومفكرين أميركيين، لأنه، وفضلا عن المعرفة الدقيقة بشأن بلادهم، وهم بذلك أحق من يسمع لهم ، فإن هذا ينفي عن غير الأميركي التهم سابقة الاعداد بأننا نكرههم، ونتمنى أن نكون مكانهم، أو أن تنعكس أصداء نفس التهم، فنتهم بأن مهاجمة أميركا فضيلة سياسية، وأننا نهرب من مواجهة مشاكلنا بالتعريض بأميركا، وأن عقلية المؤامرة تغلب على تفكيرنا، والى آخر كل هذه الأهازيج المكررة .

حين يتعلق الأمر بحادث ترتبت عليه نتائج بحجم النتائج التي ترتبت على 11 سبتمبر ، يجد المرء نفسه أمام مشهد من فوضى لا حدود لها ، وأجد في عقلي أسئلة هائلة وعلامات استفهام بحجم البرجين بل وأكبر ، وتكاد دائرة هذا اليوم العجيب تتسع زمانا ومكانا الى حدود تتجاوز نيويورك بل أميركا كلها، وتتجاوز شهر سبتمبر بل القرن الحالي كله، ولا أدنى مبالغة في هذا .

وحين نتحدث عن الدائرة الزمانية لهذا اليوم، أقف عند ثلاثينات القرن الماضي ، وذلك حين تكاثفت غيوم الحرب العالمية الثانية على أجواء أوروبا، مع ازدياد الوضع الاقتصادي تدهورا في العالم كله، فتحدث كثير من المفكرين الغربيين عن شكوك قوية تساورهم بشأن السلام والأمن والسعادة، التي كانوا يحلمون بها في ظل الرأسمالية والتقدم الصناعي الكبير والتكنولوجيا الآخذة في التقدم يوما بعد يوم ، وبدأوا يتحدثون عن مخاوف من انحسار قيم الحرية والديمقراطية وكل تلك الأفكار التي من شأنها أن ترتقي بانسانية الانسان ، وبدأت الأصوات تعلو شيئا فشيئا عن الخوف من أن يؤدي كل هذا التقدم التكنولوجي والصناعي، في يوم من الأيام، الى تجمع للسلطة والنفوذ والقوة في أيدي عدد قليل من الناس، لديهم ميول امبراطورية واستبدادية مرعبة، ويبدأون في التعامل مع بني البشر، سواء في أوطانهم أو في الأوطان الأخرى، باستهانة شديدة في ( أبسط الأوصاف )، هؤلاء المفكرون قالوا كلمتهم وسجلوا رؤاهم الثاقبة. وامتد التاريخ لنرى تلك الرؤى وهي ممتدة في عصرنا هذا، فنسمع عن الطرود البريدية المفخخة التي تنفجر في مكتب مدير شركة لتصنيع الأخشاب في مدينة ساكرامنتو بأميركا، ونرى الفاعل يتبع عمله ببيان عن المجتمع الصناعي ومستقبله ، وملخص فيه كل النظريات التشاؤمية بخصوص نفس الآراء السابقة. ويمتد الخط نفسه الى مفكرين معاصرين يتحدثون عن ( الكارثة التي في الأفق ). في هذا المعني وحول تلك الأفكار تحدث مفكرون غربيون كثيرون، لا يتسع المقال لسرد آرائهم وأفكارهم. وبلغة الاقتصاد والأرقام، أجمعت كل الدراسات والبحوث تقريبا عن أن أميركا ( عبرت مرحلة الرفاهية الأطول في تاريخها ) ، فبعد أن كان نصيبها من الانتاج العالمي بعد الحرب العالمية الثانية الثلث أصبح الآن الخمس ، وأكدت الدراسات الاقتصادية منذ سنة 1992 أنه بحلول سنة 2010 ستصبح تكلفة خدمة الدين الأميركي موازية تماما لحجم الانتاج القومي الأميركي، واذا لم يتم البدء في حل هذه المعضلة من الآن فستصل أميركا الي حالة إفلاس كامل، وبالطبع لم تكن أميركا لتنتظر هذا التاريخ من دون أن تفعل شيئا غير عادي لتغير مجرى الأحداث . وتساءل المتابعون للشأن الأميركي بدقة وقتها : ماذا عساه يكون هذا الشيء غير العادي؟ لنتقدم خطوة للأمام بغرض الفهم والتمحيص من دون أن نقدم اجابات ( معلبة ) علي أسئلة لا تعد ولا تحصى، حول ظروف أحداث الحادي عشر من سبتمبر المليئة بما يستفز الحجر الأصم .

في الاجتماعات التحضيرية لإعداد المعاهدة الدستورية والمحفوظة الى الآن في معهد فرانكلين في فيلادلفيا لسنة 1789 تتضمن الأوراق رأي بنجامين فرانكلين في اليهود وهجرتهم المتزايدة لأميركا فيقول : «.. إني أحذركم إن لم تستبعدوا اليهود نهائيا فانهم سيعرضون مؤسساتنا لأشد أنواع الخطر ». ولكن يبدو أنه لم يستمع أحد بجدية لمؤسس الجمهورية ومخترع مانعة الصواعق، وأكبر المشاركين في وضع الدستور الأميركي .

نجد أنفسنا مضطرين للتقدم للأمام خطوة أخرى مذكرين بأفران الغاز التي قدم بعض اليهود اخوانهم بغرض دفع الباقي للهجرة القهرية الى فلسطين، وبغرض صنع عقدية أبدية في الوعي الغربي تجاه اليهود، لا يجرؤ أحد بعدها أن يشكك في المحرقة وماذا وراءها وعدد ضحاياها .

ولا نستطيع بالطبع أن ننسى ( بيرل هاربر ) والتلاعبات المخابراتية وقتها، حتي يتبنى الشعب الأميركي قرار دخول أميركا الحرب العالمية الثانية، وما تلى ذلك من تكون ( عالم جديد ) تسلمت أميركا مفاتيحه بنص محاضر اجتماع (برمودا ) بين ماكميلان وايزنهاور .

وفي نفس المسار لا نستطيع أن ننسى إغراق المركب (تالينا ) الذي كان عليه 243 يهوديا بأمر من بن غوريون بغرض إرهاب باقي اليهود .

نحن أمام تجارب تاريخية توضح لنا بسهولة شديدة .. انه خلال القرنين الماضيين صدرت حوادث يكاد التشابه فيها يصل الى درجة التطابق في حدوثها، وفي حجم النتائج الكبيرة التي ترتبت عليها، وكلها كما نرى تصب في مصالحهم واستراتيجيتهم، التي تم تنفيذها بقلوب من حجر وأيد وعيون مليئة برائحة الموت والإفساد في الأرض ، لا تراعي قيما ولا أرواحا ولا عهودا ولا مبادئ .

و ( جراب الحاوي ) عندهم لا يكاد ينفذ من الحيل والألاعيب والخداع والتدليس من دون ما مساءلة أو مناقشة .. ولنتذكر أن الذي أحرق المعبد قدم للمحاكمة أمام قضاة، وسمح ذلك بطرح السؤال المرعب : من الذي أعطاه أعواد الثقاب؟ لم يحدث هذا على الاطلاق بعد تدمير البرجين، فقط تم اخراج السيناريوهات من أدراج المكاتب !!، وها هي قبضة ( الأخ الأكبر ) التي تحدث عنها جورج اورويل تمتد لتمسك بتلابيب الجميع داخل أميركا وخارجها.. ولا تسل عن الذرائع والشرائع فكل العناوين جاهزة من إرهاب .. لحرب صليبية .. لأسلحة دمار شامل ، ( ماذا عن رسائل الانثراكس التي كانت ترسل الى الناس في أميركا في الذروة السبتمبرية؟ ) لدعم الديمقراطية وتحرير الشعوب من حكامهم بالتعاون مع حكامهم، والمسألة هي، كما تعلمون ونعلم جميعا، مشروع امبراطوري محاط بإطار عقائدي مليء بالأكاذيب، يسكن في رأس مجموعة من الأفراد جاءتهم اللحظة المناسبة لإتمامه ، أو جيء لهم بها ، وهكذا .. كما رأينا الامتداد الزمني المتسع لدائرة ما حول 11/9 في الماضي والمستقبل، ها نحن نرى الامتداد المكاني لها عند حدود الصين وإيران وفي جبال أفغانستان واليمن وعلى امتداد الرافدين .. ولا نملك إلا أن نردد الآية الكريمة : «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون» .

فهل انتبه أحد الى أن الدولة الأميركية بكل ما تملك من أجهزة لم تقدم أحدا حتى الآن للقضاء الأميركي الطبيعي ليصل الشعب الأميركي، وهذا حقه، إلى معرفة حقيقة ما حدث والحكم القضائي هو عنوان الحقيقة؟ أين الحقيقة فيما حدث في 11 سبتمبر؟ أم أن الحقيقة هي ما سبق أن سطرناه؟ «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ».

* عضو مكتب ارشاد جماعة

«الإخوان المسلمين» في مصر