دمشق عاصمة التغيير التاريخي

TT

لم أكن بحاجة الى شراء كتاب أعمدة الحكمة السبعة للورنس العرب لأتذكر ان الشام كانت هدف التغيير الاساسي في مشروع الثورة العربية، وتحولت الى خط تماس بين الاتراك والانجليز والفرنسيين، ولا بحاجة الى ان اقرأ رواية بالدسيار لأمين معلوف التي تحكي قصة الباحث عن حقيقة يوم الحشر الخارج من أرض سورية الى عاصمة العثمانيين. وبالتأكيد لم أعد في حاجة الى تكرار زيارة الجامع الأموي وقبر النبي يحيى بن زكريا، او يوحنا المعمدان، وقبر صلاح الدين وشواهد العصور المتعاقبة لأعرف حجم الانتقال المستمر والخطير على هذه الأرض.

التغيير في دمشق أمر حتمي تنبأت بذلك عند صاحبي موضحا، ان اردت الصراحة كنت اتوقع ان يحدث قبل ذلك، ليس بطريقة محددة، سلمية او قسرية. سر هذه النبوءة ان معظم الدول التي ارتبطت بالمعسكر الشرقي ابان الحرب الباردة تهاوت او عطلت، في منطقتنا رأينا ما حدث لليمن الجنوبي الذي ظل يترنح حتى سقط بـ«الضمة القاضية» مع خصمه الشمالي، والجزائر التي انهارت تركيبتها ولا تزال في حالة تبديل قسرية، وافغانستان حيث لفظ السوفيات انفاسهم عسكريا، وبسببهم انهارت كابل. اما العراق فقد صار كوبا أخرى معزولة ومعطلة. فكيف استطاعت دمشق النجاة من العلاقة المسمومة؟

قال لي: صحيح ان العلاقة مع موسكو كانت استراتيجية وخدمت سورية في خلق توازن عسكري ضروري في وجه عدوها الاسرائيلي. ومع هذا، قالها مستدركا، دمشق لم تكن عدن ولا هافانا ولا كابل. كان للسوريين في الحقبة المذكورة قدم في معسكر والثانية في المعسكر الآخر. وعندما عارضته ذكرني بقوله ان السياسة كانت مع موسكو لكن الاقتصاد مع باريس وروما ولندن، «فقط 15 في المائة من مشترياتنا الأساسية كانت تردنا من الاتحاد السوفياتي والباقي كنا نبتاعه من الغرب. لهذا عندما سقط الاتحاد السوفياتي تبدل السفراء فقط ولم تتبدل الحركة الحقيقية على الأرض». اذا التغيير لم يحدث قسريا من الخارج، لكن التغيير الداخلي امر طبيعي لا يتجاهله الا من لا يشعر بحقائق فروقات الاجيال والزمن والتوقعات. ومع انني حاولت ان اخرج الرئيس السوري الشاب عن اسلوبه في الهروب من الاجابات المباشرة الا ان ما فعله في الاشهر الماضية كاف لأن نتعرف على اسلوبه في العمل، حيث وصفه زميلي ابراهيم عوض، بأنه رجل يحب المباغتة. فبعد ساعات من خروجنا من مكتب الدكتور بشار صدر تغيير في ثلاثة مناصب هامة احدها محافظ العاصمة الذي اختار له رجلاً معروفاً في سورية باهتماماته بتطوير التقنية المعلوماتية الحديثة. فالرئيس حافظ على سره امامنا رغم الحاحنا على معرفة من سيرحل ومن سيأتي. اذا التغيير يحدث تدريجيا بدون ان يرفع لافتة يقول فيها انه يقود حركة انتقال جديدة.