الجنرال نو يصبح الرئيس نو

TT

كان اول افلام جيمس بوند العام 1962 بعنوان «الدكتور نو». وكالعادة يقاتل البطل رجلاً شريراً يخطط للتدمير في احدى جزر الكاريبي. ولم اعد اذكر التفاصيل. غير انني اذكر بوضوح صورة شون كونري يقوم بدور العميل بوند، جيمس بوند، وصوت جوزف وايزمان يقوم بدور «الدكتور نو» الذي لا يمكن ان يقبل بأي شيء ولا بأي فكرة ايجابية. لا. لا. لا. ثم لا.

وقد استخدم ايهود باراك خمس لاءات قبل الذهاب الى محادثات كامب ديفيد، في حين طالب بيل كلينتون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعشر نعمات على الاقل. كل لا اسرائيلية بنعمين عربيتين. وكدنا نسمي ايهود باراك «الدكتور نو». او المستر نو او الجنرال نو. لكنه غادرنا قبل ان نعطى الفرصة لذلك. وحل مكانه سعيداً في رئاسة وزراء اسرائيل مؤسس «الفرقة 101» التي قامت بأول اعمالها الانسانية المشهودة في قرية قبية الاردنية العام 1953 قبل ان تتحول الى فرقة المظلات، بقيادة الجنرال المؤسس.

تقول مجلة «كول حائير» الاسبوعية الاسرائيلية ان شارون صوت ضد السلام مع مصر العام 1979، وضد الانسحاب الجزئي من لبنان العام 1985، ووقف ضد مؤتمر مدريد العام 1991، وضد اتفاقات اوسلو العام 1993، وضد معاهدة السلام مع الاردن العام 1994، وضد اتفاق الخليل الذي قضى بإنسحاب اسرائيلي جزئي من المدينة العام 1997 وضد معاهدة السلام مع الاردن العام 1994، كل هذه اللاءات اضاف اليها اقتحامه الشهير للمسجد الاقصى في سبتمبر (ايلول) الماضي.

اذن، بالاجماع، لا يستحق لقب المستر نو احد سوى زعيم اسرائيل الجديد. حتى لاءات باراك الخمس لا تبدو شيئاً امام هذه المسيرة الطويلة ضد كل ما هو بادرة او بند سلام في المنطقة، منذ ان ابصر ارييل شارون النور في كفرملال، شمال تل ابيب. او بالاحرى منذ ان غير اسمه من ارييل شاينرمان الى الاسم العبري، لينضم الى «الشرطة» وهو في السابعة عشرة من العمر. الباقي معروف، لذلك تقول «الموند» ان الاسرائيليين اختاروا التصويت للديماغوجية. وفعلوا ذلك في الوقت الذي كان المبعوث الاوروبي ميغيل مورتينوس يقول ان الاتفاق اصبح وشيكاً بين الفلسطينيين والاسرائيليين. لكن الديماغوجية ليست في هذه الحال وقفاً على ارييل شارون. ها هو صديق فرنسوا ميتيران وحامل نوبل، المستر ايلي ويزل يكتب في «النيويورك تايمس» (من موقعه كمحب للسلام) عن القدس الموحدة التي استمر الحنين اليها قرناً بعد آخر. لكن الكاتب الاسرائيلي «اسرائيل شامير» يرد عليه قائلاً: «اسمع يا ايلي. ان القدس التي تكتب عنها بهذا الاسلوب المؤثر ليست الآن ولم تكن خالية في اي زمن. لقد عاشت سعيدة عبر القرون في احضان شعب آخر، فلسطينيي القدس الذين اعتنوا بها ايما عناية. لقد جعلوها المدينة الجميلة التي هي الآن، وزينوها بجوهرة رائعة هي قبة الحرم الشريف المذهبة، وبنوا فيها البيوت ذات القناطر وزرعوا من حولها اشجار السرو والنخيل. (...) ان تقديس المدينة لا يعطيك حق الملكية. ان الدولة الاسرائيلية تمنع مسيحيي بيت لحم من الصلاة في كنيسة القيامة وتمنع المسلمين دون الاربعين من العمر من اداء صلاة الجمعة في المسجد الاقصى. ان هذه التغييرات في المدينة من قبل الحكومة الاسرائيلية تعادل اغتصابها (...) واكثر من ذلك فان اسم القدس ليس مذكوراً مرة واحدة في كتاب اليهود المقدس: التوراة، ان القدس مقدسة بالنسبة الى مليارات المؤمنين، لكنها كمدينة، مثل اي مكان آخر في العالم، هي ملك لساكنيها».