بين تغير الموقف وتغيير العالم..!

TT

الخيار الانتخابي في عام 2004 خيار حاد ومؤثر. وهذان المرشحان هما مثل التباين بين الليل والنهار، وعلى نحو أدق العاطفة مقابل العقل، والغريزة مقابل الفكر، فالمنافسة ستنشط وربما تكون حاسمة في مناظراتهما الثلاث المتلفزة. ولا يتصور بوش وكيري اميركتين اثنتين حسب خطاباتهما في حملتيهما الانتخابيتين، وانما عالمين مختلفين تماما يسعيان الى صياغتهما وقيادتهما. ويعتمد اتجاه الانتخابات والسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة على الكيفية التي يستجيب بها الناخبون المترددون للاختلافات الناشئة للمرشحين في الطريقة والجوهر.

وقد بلور هجوم كيري على «العجز العنيد» لبوش في الحرب في العراق الأسبوع الحالي في جامعة نيويورك، الخيار الذي يواجهه الناخبون في السياسة الخارجية. وهذا أكثر بكثير من مجرد كونه جدلا بشأن القضايا التكتيكية كما يدعي رالف نادر، الرجل الثالث في هذه الانتخابات.

والرئيس الحالي هو الراديكالي في انتخابات العام الحالي الاستثنائية. وحسب رأيه فان تهديدا جديدا للأمن الاميركي في منطقة جغرافية جديدة، ومن نمط جديد من الأعداء، يتطلب تغييرا برنامجيا في السلوك الدولي، يمكن أن يفرض من جانب واحد عبر القوة الاميركية اذا كان ذلك ضروريا.

ويعتقد بوش ان أصدقاء أميركا وأعداءها في الخارج، يمكن ويجب أن يغيروا طرقهم من أجل جعل العالم أكثر أمانا للأنظمة الديمقراطية، وخصوصا للولايات المتحدة. وفقط عبر جعل انظمة بعض الدول المهمة والحيوية تدرك أن وجودها في خطر، سيمكن من تحقيق التعاون الفعال في الحرب على القاعدة والأطراف الأخرى لشبكة التعصب الاسلامي الفضفاضة الروابط.

أما المرشح المتحدي، فهو البراغماتي والتقليدي بشأن السياسة الخارجية. فكيري سيغير، أولا، طريقة أميركا في التعامل مع العالم، ثم يقنع الحلفاء والخصوم ويضغط عليهم قليلا في سبيل العودة الى المعايير المقرة للتعاون أو السلوك السائد.

ويعتبر الحفاظ على تلاحم حلف الناتو الذي كان قائما في فترة الحرب الباردة هدفا اساسيا بالنسبة لكيري، ولكنه قضية تكتيكية ثانوية بالنسبة لبوش في التعامل مع الوضع المضطرب في الشرق الأوسط، حيث غالبا ما تتعارض المصالح الأوروبية مع مصالح الولايات المتحدة. وتعد اسرائيل هامة بالنسبة لكيري كشريك دبلوماسي وسياسي، أما بالنسبة لبوش فهي حليف استراتيجي في شن حرب ضرورية طويلة.

وبدأت هذه الاختلافات الأساسية بالظهور، على نحو واضح، من حملة استثنائية غير حاسمة خيمت عليها المرارات الشخصية، وتركيز وسائل الاعلام الساحق على مشهدين جانبيين: الجدل بشأن سجل الخدمة العسكرية في عهد حرب فيتنام والتخبط الذي مارسه جهاز حملة كيري أحيانا. وبينما تصور معظم استطلاعات الرأي بوش باعتباره متفوقا في قضايا الأمن القومي، فانها تصوره أيضا باعتباره ما يزال عرضة للأحداث ولهجمات كيري الحادة بشأن العراق.

وذلك مبرر كاف للحذر والتروي الأعمق من جانب الناخبين، وكذلك من جانب النقاد. كما أنه من الحكمة تذكر ان الحملات الانتخابية تخلق آليات تغيرها الخاصة عندما تصبح القضايا أكثر جدية والتناقضات أكثر حيوية. وتتكيف الدول الأخرى في الوقت المناسب مع ما يقوله كيري وبوش، ولما سيظهران عليه، فيما سيتغير وببراعة المناخ السياسي الذي يتظاهر الزعيمان بالتحكم فيه.

وهو امر يتسم بالصدق بالنسبة لكيري، حيث ادت تعهداته المتكررة بجعل اوروبا تتحمل المزيد من الاعباء فيما يتعلق بالعراق وفي الحرب ضد الارهاب، الى ظهور بوادر للقلق حتى بالنسبة لهؤلاء الاوروبيين الذين هم على استعداد لقبول تغيير في البيت الابيض في شهر يناير القادم.

ومن بين المشاكل المستقبلية هي الطريقة التي صور بها كل من كيري وجون ادواردز كل من بريطانيا وايطاليا واليابان وغيرها من الدول، بإنها تلقت رشاوى وتعرضت الى ضغوط للمشاركة في التحالف الموجود الان في العراق.

ان المهمة الرئيسية في السياسة الخارجية هي توازن اهداف الولايات المتحدة مع قدراتها. والفشل، حتى الان، في معرفة من منهما عرض وجهة نظر مقنعة، بكيفية التوصل الى هذا التوازن، هو واحد من الاشياء الجديدة التي يتشارك فيها كل من بوش وكيري.

*خدمة كتاب «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»