مثلث الماس.. وخيارات الأمة

TT

نحن نرفع راية السلام لضرورة تحتم علينا ذلك في العلاقات الدولية، ولإيماننا الراسخ ايضاً بأن هذه المنطقة بحاجة ماسة إلى اقتلاع جذور الحرب والقضاء على بؤر الفتنة من أجل التنمية والتقدم والازدهار، لكن ذلك لا يعني ابداً ان نصادر حق الأمة بالمقاومة والتصدي لمشاريع الهيمنة ورفض التطبيع مع الطارئ على امتنا العربية والإسلامية وفي مقدمة ذلك الطارئ الفكر الصهيوني العنصري المعادي للسلام.

هذا الكلام للرئيس السوري الصاعد الدكتور بشار الاسد، الذي أسهب في شرح مقومات حكمه العتيد وركائز سياسة بلاده الخارجية اثناء لقائنا به في اطار زيارة برلمانية ايرانية لسوريا أخيراً ذكَّرني في الواقع بالمقولة الشهيرة للمرحوم الامام محمد مهدي شمس الدين المعروفة بـ«ضرورات الانظمة وخيارات الأمة» والتي كان يكررها كثيراً في مجالسه الخاصة والعامة وهو يتحدث عن حق المقاومة اللبنانية في التصدي لمشاريع العدو الصهيوني ومخططاته وضرورة دعم العرب لها في سياق مقاومة التطبيع ايضاً.

في زيارته الأخيرة لايران عرض رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري افكاراً ومقترحات بخصوص ضرورة تطوير سبل دعم الجمهورية الإسلامية الايرانية للبنان وصمود شعبه تلخصت في امكانية تخزين النفط الايراني فوق الاراضي اللبنانية ومن ثم تصديره لحساب طهران عبر الموانئ اللبنانية إلى العالم الخارجي، (وكذلك الحالة بالنسبة للسجاد الايراني) مروراً بالاراضي العراقية، والسورية المهيأة تقنياً ولوجستياً لمثل هذا المقترح.

اثناء لقائنا الرئيس نبيه بري في اطار التنسيق معه لعقد المؤتمر الدولي البرلماني لدعم الانتفاضة الفلسطينية المقرر في 24 ـ 25 ابريل المقبل قال بري: «ان المثلث الماسي المتمثل بلبنان وسوريا وايران كفيل باسقاط مشاريع الهيمنة الصهيونية ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني».

وتعبير «الماسي» أو «الالماسي» في الواقع نسبة إلى بلورة «الالماس» المتمثلة في هذه الحالة بالمقاومة الاسلامية وقيادة حزب اللّه اللبناني الذين سجلوا بانتصارهم الباهر على اسرائيل وتحريرهم الجنوب اللبناني المحتل بأقل التكاليف المادية، ولكن اغلاها واثمنها معنوياً وهو الانسان بارادته التي لا تقهر، منعطفاً في تاريخ معارك العرب والمسلمين ضد الصهيونية وحطموا اسطورة «الجيش الذي لا يقهر».

ان مثلث الماس هذا أياً كانت قراءتنا له واياً كانت مواقفنا تجاهه في سائر الأمور، وعلاقاتنا معه على المستويات المختلفة، يبدو انه يحمل معه مواصفات الاحتياطي الاستراتيجي للعرب والمسلمين في معركتهم الاستراتيجية والطويلة مع العدو الصهيوني الذي يزعم السلام كذباً وزوراً.

وهذا الاحتياطي الاستراتيجي بالمناسبة يمكن ان ينفع العرب المفاوضين، بل وحتى «المهرولين» نحو المفاوضات منهم، وليس المقاومين للتطبيع والرافضين المفاوضات فقط.

نقول ذلك ليس تبريراً للمفاوضات والمفاوضين، بل تصحيحاً لرؤية من يسيئون تقدير الموقف السياسي عندما يتصورون خطأً ان مواقف ايران الرافضة للتسوية الراهنة المطروحة على طاولة المفاوضات المتعددة، أو مقاومة سوريا لها أو مواجهة المقاومة اللبنانية لها، نابعة من اهداف قطرية أو اقليمية ضيقة! ليس هذا بيت القصيد، بل هو ان جوهرة الألماس هذه أي «خيار الأمة في المقاومة» يمكن ان يوظف في اطار سياسات كافة الاقطار العربية المقاتلة والمفاوضة على السواء فيصبح مثلث الالماس هذا مربعاً بالتحاق العراق به، ومخمساً بانضمام جمهورية مصر العربية الكبرى له، ومسدساً «حارقاً خارقاً» كما يقول اخواننا اللبنانيون العسكريون عندما تستوي الأمور بتحالف السعودية مع ايران في مواجهة مخططات الدولة الاسرائيلية المترنحة تحت ضربات الانتفاضة لا سيما في ظروف صعود السفاح العجوز الجنرال شارون.

وحتى يتوسع مثلث الالماس هذا ويكبر لا بد لصناع القرار والنخب الحاكمة والقريبة من الحكم في بلادنا ان تفتح صدرها بعض الشيء وتسمح أو بالاحرى «ترضخ» اذا جاز التعبير لارادة الامة القائلة «بخيار المقاومة ورفض التطبيع» أياً كانت حال «ضرورات الانظمة» وحيثياتها.

لقد اثبتت التجربة اللبنانية كما قال لنا الرئيس اللبناني اميل لحود وهو يشرح لنا تجربة التحرير «ان وحدة الهدف وارادة المقاومة والعقيدة الصلبة بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية تحت كل الظروف قادرة على تحقيق المعجزات.. وهكذا حصلت معجزة التحرير».

واليوم نحن في الوطن العربي الكبير والوطن الاسلامي الاكبر نشعر كمواطنين وكنخب مثقفة، خاصة تلك الملتصقة بالشعب والتي لا تعير كثيراً من الاهمية «للقوالب التي تريد ان تفرضها علينا الدول الكبرى وابواقها» كما قال الرئيس بشار الأسد، اكثر من اي وقت مضى بحاجة الامة إلى اوسع جبهة تضامنية تضم كل القوى الرافضة للتطبيع والمناهضة له لتقف في استراتيجية واحدة ضد السفاح العجوز شارون، لنرحله إلى جهنم كما رحلت الانتفاضة جزارها الأول باراك، وليكن خيار الامة إعادة احياء حملة دعم الانتفاضة من طنجة إلى جاكارتا.